إن التباس الحق بالباطل وحرص البعض من منتسبى العلم أن يلبس الباطل ثوب الحق ظاهرة تستحق منا التوقف والدراسة للنهى الصريح من الله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}؛ ولأن ذلك التلبيس يعد مفرخة للتزييف الذى بدوره يحدث الفتن، والتى يكون من آثارها إيقاع الضرر البالغ بالأمة الإسلامية وتضليلها.
والخطاب الدينى اليوم مطالب بكشف زيف هذه الأفكار المنحرفة والشاذة، ودعوة الناس على ألا ينخدعوا بها، وألا يلتفتوا إليها، وذلك بتفنيد هذه الأفكار والرد عليها، وبيان ما بها من عوار حتى نقطع الطريق على ما سوف تحدثه من فتن وما تنشره من ضلالات، خاصة مع كثرة التلبيس والتضليل فى عصرنا، للدرجة التى وصلت إلى قلب الحقائق وإظهار الحق فى ثوب الباطل والباطل فى ثوب الحق، وأصبح أصحاب هذا التوجه يلبسون على الأمة أمرها، ويؤولون الآيات والأحاديث وفق أهوائهم، ويستخدمون المغالطات فى تبرير مواقف خاطئة بل ومخالفات شرعية.
وعلى القائم بالخطاب الدينى اليوم ووسط هذا السيل من المغالطات أن يتسلح بالعلم، فهو من أركان الحكمة، ولقيمته الكبيرة أوجبه الله تعالى قبل القول والعمل فقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}، وقد جعل الإمام البخارى له بابًا أسماه «باب: العلم قبل القول والعمل»، ولقيمته وأهميته فقد جعله الله تعالى أول أمرين أمَرَ بهما نبيه عليه الصلاة والسلام وهما العلم والعمل؛ لأن مرتبة العلم مقدمة على العمل؛ ولأن العلم شرط فى صحة القول والعمل.
ولكى يتصدى العلماء الأجلاء القائمون على الدعوة لأصحاب الفكر المنحرف كان لا بد من تحصيل العلم الذى يتسلحون به فى مهمتهم فى بيان صحيح الدين للأمة، لأهمية العلم للدعاة ليدعوا الناس على بصيرة وفهم لدينهم، وليزيلوا ما أحدثه الآخرون من لبس عليهم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ، والعشب الكثير، وكان منها أجادِبُ أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى إنما هى قيعان: لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً فذلك مثل من فَقُهَ فى دين الله ونفعه ما بعثنى الله به فَعَلِمَ وعَلَّمَ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا، ولم يقبل هُدى الله الذى أرسلت به».
إن تلبيس بعض منتسبى العلم للدين والتلاعب بالشرع والتقول على النبى صلى الله عليه وسلم ومخالفة النصوص الصريحة من الكتاب والسنة أمر فى غاية الخطورة، وذلك لما قد يحدثه من فتن وتضليل؛ لأن تلبيسهم يفتح الباب على مصراعيه لأعداء الدين، الذين يتخذون من أقوال هؤلاء ما يكون لهم عونًا فى الطعن فى الدين، فعن عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِىّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «هَلَاكُ أُمَّتِى فِى الْكِتَابِ». قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكِتَابِ؟ قَالَ: «يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ» فهو تلبيس كلام الله لثوب التأويل الباطل، هذا وتتعاون شياطين الإنس والجن على إحداث هذا التلبيس، قال تعالى: {كَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِىٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِى بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُون}.
وعلى الخطاب الدينى أن يتصدى- بالفكر القوى - لتلك الأفكار المنحرفة، وأن يبين ويوضح الحقائق التى اهتزت فى عقول الناس نتيجة تلبيس هؤلاء الصحيح بالسقيم، والسنة والبدعة، قال أحد أهل العلم: «البدعة لو كانت حقًّا محضًا لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة، ولو كانت باطلاً محضًا لم تخف على أحد، ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل، ولهذا قال تعالى فيما يخاطب به أهل الكتاب على لسان محمد صلى الله عليه وسلم {يا بَنِى إِسْرائيلَ} إلى قوله: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأنتُمْ تَعْلَمُونَ} فنهاهم عن لبس الحق بالباطل. ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدها بالآخر، لذلك أمرنا الله تعالى بأن نخلص له الدين، وأن نتبع ما أنزله تعالى، فقال عزَّ وجل: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}.
لذلك فعلى القائمين بالخطاب الدينى أن يكونوا صرحاء مع أنفسهم ومع الناس فى أمر دعوتهم، وأن يقولوا لهم الحقيقة ويكشفوا خطأ الفكر المنحرف، ولا يترفعوا عن بيان هذه الأخطاء بحجة عدم إشاعتها؛ لأنها لا بد أن تظهر وتطفو على السطح مهما فعلوا وسكتوا، فأهل العلم والحق متى سكتوا عن بيان أغلاط المخطئين، لم يحصل منهم ما أمرهم الله به من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، بل يأثم من يسكت ولا ينكر عليهم افتراءهم لأنه يخالف ما جاء به الشرع من النصيحة والتعاون على البر والخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
ودعوة البعض إلى إخفاء الخلاف مخافة من أن نكون سببًا فى نشره يكون ضرره على الأفراد والجماعات أكبر من إشاعته والرد عليه؛ ولأن معرفة مواطن الخلل وتصحيحها، تكون سببًا فى سلامة البناء وصلابته، أما السكوت عليها بغير حجة فهو من أوهام البشر وتلبيس الشياطين، وهذا يجعل القائمين على الخطاب الدينى أمام مهمة كبيرة وعظيمة وهى الذود عن الدين، وتقديم النصيحة لمن ضل الطريق، قال صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم»؛ فالإبقاء على التلبيس وعدم كشفه وتبصير الأمة به وعدم معالجته هو ما يحدث الضرر للأمة؛ فالخطورة فى قبول هذا التدليس والتلبيس والسكوت عليه وليست فى بيانه ومعالجته.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
اذكرك بما جاء فى خطابك -معرفة مواطن الخلل وتصحيحها تكون سببا فى سلامة البناء وصلابته
بدون