اعترض أعداء النجاح من الحاقدين وقصيرى النظر على قرار تعديل بعض أحكام هيئة الشرطة الصادر بقانون رقم 109 لسنة 1971، والذى يستهدف استحداث فئة من معاونى الأمن يتم تعيينهم فى هيئة الشرطة بشهادة الإعدادية.
وقد سخر أعداء النجاح، وقالوا إن القرار يستهدف خلق فئة كاملة تكون نموذجا حيا لشخصية "أحمد سبع الليل" التى جسدها أحمد زكى فى فيلم "البرىء". والحقيقة أن هذا الكلام مغرض وعار عن الصحة، فأحمد سبع الليل لم يمنح الضبطية القضائية التى سيتم منحها لجيل جديد من معاونى الأمن، الذين سيخضعون لفحوصات طبية للتأكد من امتلاكهم "القدرات الصحية والنفسية والرياضية" التى تؤهلهم للعمل فى الشرطة.
كما قال أعداء النجاح أن منح الضبطية القضائية لمثل هذه الفئة المستحدثة فى جهاز الشرطة سيكون أسوأ من قانون الطوارئ الذى فرضه علينا مبارك طيلة ثلاثين عاما، وقالوا إن الدولة تتحايل على إلغاء قانون الطوارئ بالإفراط فى منح الضبطيات القضائية لكل من هب ودب.
لكننى سعدت أيما سعادة حين علمت بهذا الخبر السار. تخيلت سعادة الفقراء، والحطابين فى الجبال، والعجائز حول نار المدفأة، حين يعلمون أنهم جميعا قد تم إعفاؤهم من نفقات استكمال تعليم أولادهم، خاصة إن كان لديهم أبناء يتمعتون بصحة جيدة، بل إننى تخيلت سعادة الأمهات الحوامل، اللاتى ينتمين أيضا إلى الطبقة الفقيرة، وتوصيات حمواتهن: أنا عايزاكى تعلفى العيل اللى جاى ده عشان يطلع معاون أمن قد الدنيا.
جلست مع نفسى وتصورت حوارا يدور بين فتى حصل لتوه على شهادة الإعدادية بتفوق، وبين والده الذى يتقبل التهانى من الجيران والأحباب والأصحاب، وفجأة، يفسد الفتى على والده الفرحة ويقول له بمنتهى الصفاقة وتهور الشباب: يا بابا أنا جايب مجموع كبير وإن شاء الله حاخش ثانوية عامة.
تصورت الأب وهو يقترب من ولده، والدموع فى عينيه، يمد كفه المرتعش ليربت على كتف ابنه قائلا: ليه يابنى كده؟ مش هو ده ابنى اللى ربيته وكبرته، بقى عايز تخش ثانوية عامة وتطلع لى فى الآخر حتة دكتور بـ250 جنيه فى الشهر؟ ولا محامى تتبهدل فى المحاكم وأهالى المتهمين يدوك علقة لما عيالهم تاخد حكم؟ ولا مدرس العيال يركبوا له ديل؟ ولا مهندس ما يسواش تلاتة نكلة فى سوق الكانتو؟ ولا محاسب قاعد يعد فى ملايين الناس وهو بيشرب سجاير فرط؟ ولا صحفى آخرته طلقة ولو ربنا سترها معاه يجرينا وراه فى السجون والأقسام؟ ليه يا بنى؟ ليه عايز تحرق قلبى وقلب أمك عليك؟
- يا بابا...
- أنا أبوك وعارف مصلحتك، أنت تاخد شهادة الإعدادية بتاعتك دى، وتقعد بيها يا حبيبى، ولما تكمل 18 سنة على خير تشتغل معاون أمن قد الدنيا، وربنا يرزقك من وسع، وأنت وشطارتك بقى، ما هم مش مديينك الضبطية القضائية دى تلعب بيها.. وأهل الحتة أهلك وناسك وما يعزوش عنك حاجة، وشوف أنت بقى، واد راجع مونون آخر الليل توقفه يظرفك عشرين جنيه، محل الحاج عبده على ناصية الشارع عامل إشغال، تروح ترازيه يديك عشر برايز، الواد أحمد الفاشل اللى ساكن فوقينا قال دخل الجامعة وكل يوم والتانى زمايله جايين يذاكروا عنده، تدخل عليهم وتقولهم أنتوا بتقلبوا نظام الحكم يظرفوك خمسين جنيه... تيجى على آخر الليل معاك مش أقل من 200 أو 250 جنيه من أهل الحتة بس، ده غير إنك حتمشى فى الحارة الكبير والصغير عامل لك حساب.. يبقى لازمته إيه التعليم وتمقيق العينين وتخش لى الجامعة والله أعلم حتطلع منها على رجليك ولا على ضهرك ولا ع السجن... اعقل يابنى... اعقل.
... - أمرك يا بابا
يحتضن الوالد ولده وعيناه تذرفان دموع الرضا بينما ارتسمت على وجه الفتى ابتسامة ملؤها الأمل والعرفان.