المؤشرات كلها تذهب إلى أن القاهرة ليس لديها مانع من الحوار والتعاون مع نظام بشار الأسد فى سوريا، خاصة فى الشق الأمنى المتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف، وربما يعود ذلك فى الأساس إلى حالة التملل التى أصابت عددا من الدول العربية من استمرار الحالة السورية كما هى دون جديد، فالمعارضة رغم ما تتلقاه من دعم سياسى ومادى وعسكرى من الخارج، فإنها ليست قادرة على حسم الصراع لصالحها، كما أن ظهور تنظيم داعش فى المنطقة ربما أحدث خللاً فى استراتيجية التعامل مع الأسد ونظامه، وهو ما نراه من تخفيف الضغوط الغربية على الأسد، فضلاً عن اتجاه بعض الدول لفتح قنوات اتصال مع الأسد حتى وإن كانت غير مباشرة.
نحن إذن أمام تغير استراتيجى فى كيفية التعاطى مع الوضع السورى، أثر بالطبع على الوجهة المصرية التى بدت منفتحة على التعاون مع دمشق، خاصة أن القاهرة منذ اندلاع الأزمة السورية وهى تعلى من شأن الحل السياسى كونه الأفضل عكس التعامل العسكرى الذى أفضى فى جزء منه إلى فوضى منحت الفرصة لتنظيمات إرهابية لكى تنشأ فى المنطقة بل وتتحول إلى مهدد خطير للأمن القومى الأقليمى. حينما أصرت القاهرة على الحل السياسى، فهذا الإصرار كان ولا يزال له وجهته، خاصة بعدما رأينا ما آلت إليه الأحدث فى ليبيا، حينما تدخل الغرب لحسم المعركة لصالح المعارضة على حساب معمر القذافى عسكرياً، فوصلنا إلى دولة مفتتة.
لكن السؤال الآن، على أى أساس ترى القاهرة أن الوقت مناسب للحوار والتعاون الكامل مع نظام الأسد، وما هى الضمانات التى يمكن الحصول عليها من دمشق حتى نصل إلى حل سياسى للأزمة ينهيها دون المزيد من أراقة الدماء، وهل لدينا ما يضمن ألا ينقلب علينا الأسد مرة أخرى حينما يتحقق له ما يريد؟ هذه كلها أسئلة مطلوب الإجابة عليها، خاصة أن رصيد الثقة فى نظام الأسد «الأب والابن» منعدم، فكل وعودهما سرعان ما انقلبا عليها بعدما تحقق لهما ما أرادا. قد يكون لدى مسؤولينا مبررات لفتح قنوات التواصل مع الأسد على أمل الضغط لتحقيق انتقال سياسى سلمى فى دمشق أقرب لما تريده روسيا، لكن من حقنا أيضاً ضمان ألا نتحول إلى أداة فى يد الأسد ونظامه يحصل من خلالنا على جهاز التنفس الذى يبقيه حياً، وبعد ذلك يقتل جميع من حوله.