«محفلط مزفلط كثير الكلام/ عديم الممارسة/ عدو الزحام/ بكام كلمة فاضية/ وكام اصطلاح/ يفبرك حلول المشاكل قوام».. كان هذا هو الوصف للمثقفين من الشاعر أحمد فؤاد نجم، وكان يقصد هؤلاء الذين يبدون نوعا من المعرفة لكل شىء ويفتون فى كل موضوع ولديهم إجابة لكل سؤال ويسفهون كل رأى بينما هم جالسون على «كنبة ما» على مقهى، فى المنزل، فى منظمة وهمية أو نصف حقيقية.
وهذه الصورة نراها يوميا فى أنفسنا وكثيرين ممن يحتلون مواقع التواصل وشاشات التوك شو، هؤلاء الذين يتكلمون أكثر مما يسمعون، ويفتون فى الصحة والتعليم والعلم والكهرباء والتموين، وعندما تسمعهم أو تقرأهم ترى أنهم يبسطون كل شىء، لكن إذا حدث وتولى هذا الشخص منصبا تنفيذيا أو وزاريا، يتحول إلى «كائن حكومى بيروقراطى تبريرى بيضوحباطى». يفتقد لحالة الاستسهال، ويغرق فى عالم الصمت والضياع.
لدينا تجارب كثيرة لمتكلمين وأكاديميين وخبراء كانوا نجوما للتوك شو، لكنهم اختفوا أو تراجعوا، كما كان لدينا نجوم ولدوا وترعرعوا على مواقع التواصل، ولمع بعضهم وغزا الفضائيات، وكانوا يتحدثون عن الثورة والتوحد والتنسيق وعدم الإقصاء والارتفاع فوق المصالح وأهداف الثورة، لكن نفس هؤلاء النشطاء، عندما دخلوا ائتلافات أو تنظيمات، اختلفوا وتعاركوا وتنابزوا و«انفثأوا» وتحول بعضهم إلى ديكتاتورات، أو شتامين، هجامين يشرشحون من يختلف معهم، عجزوا عن تطبيق ما كانوا ينادون به، أو انصرفوا لمصالحهم، مع السلطة أو المعارضة التى تدر ربحا وتمثل تجارة ربحها أكثر من المخدرات.
نحن أمام حالة من «الحفلطة والزفلطة» ما تزال قائمة، حيث هؤلاء الواثقين الذين يفتون فى كل شىء، تتملكهم حالة من الثقة والغرور، وادعاء بمعرفة أسرار الثورات، أو السياسة، لكنهم فى الحقيقة لا يعرفون الكثير، كانوا يمنحون من حولهم آمالا كاذبة، حول سهولة التغيير، وهو ما لم يحدث، فيحبطون من حولهم، بل ويصيبهم الإحباط.
طوال أربع سنوات كان هؤلاء «المحفلطين المزفلطين» موجودين بكثافة بعضهم اختفى، والبعض الآخر وجد وظيفة أنه «بيشتغل ثورة»، وهى وظيفة مريحة فى الداخل والخارج، لا تحتاج لأكثر من كلام مجعلص، ومصطلحات مستوردة وأسماء زعماء ثوريين ميتين، وشوية كلام كبير، بعض هؤلاء يتكسب من ذلك، وبعضهم يبحث عن تصفيق.
هؤلاء «المحفلطين» على مواقع التواصل، أو التوك شو أو شاشات العالم، يحتاجون لبعض التواضع، وبعضهم فى حاجة لعلاج نفسى، ليعودوا مواطنين عاديين، متجاوزين حالة «الزفلطة».