حينما يقبل الناس عن طيب خاطر تلك الأيام السوداء خلال الصيف الماضى بسبب الانقطاع المتكرر فى التيار الكهربائى، فإن ذلك لم يأت من فراغ، وإنما جاء انعكاسا طبيعيا لرغبة شعبية جارفة نابعة من القلب تجاه الرئيس لتقبل هذا الوضع المحزن الذى عاشه الشعب المصرى وذلك إيمانا منهم بأن الرئيس فى بداية فترة توليه الحكم يحتاج إلى الدعم والمساندة الشعبية.
ولكن أعتقد أن هذا الشعب لن يتحمل تكرار هذا الأمر مرة أخرى ولن يسكت على أن تتحول حياتهم إلى ظلام دامس كما كان يحدث فى كل مكان وليس فى القرى والنجوع فقط، فأنا دائم التنقل بين تلك المناطق وعلى تواصل مستمر بهؤلاء الناس البسطاء الذين فاض بهم الكيل فى تلك القرى ولم يعد فى مقدورهم تقبل هذا الوضع الذى لمسته بنفسى وشعرت بمدى معاناتهم من جراء ذلك التجاهل التام لمطالبهم المشروعة والعادلة فى الحصول على التيار الكهربائى بشكل منتظم.. أو حتى مساواتهم بسكان المدن الكبرى.
لقد عاد منذ بضعة أيام شبح «الظلام» يطل برأسه القبيح مجدداً حيث أصبح يتم انقطاع التيار الكهربائى فى أماكن عديدة وبأشكال مستفزة وفى توقيتات متفاوتة، وكأننا على موعد دائم مع الشقاء والمعاناة و«وجع القلوب».
ما هذا العبث الذى يحدث الآن؟.. وهل هذه مؤشرات ومقدمات لأزمة جديدة فى التيار الكهربائى تلقى بنا مجددا فى دوامة انقطاع التيار؟.. إن كان الأمر على هذا النحو فأين دور وزير الكهرباء الدكتور محمد شاكر؟.. وماذا تعنى تصريحاته بأن الأزمة قد تستمر حتى صيف 2016، فى الوقت الذى نرى فيه الرئيس السيسى وهو يبعث فينا الأمل فى غد مشرق وسط مشروعات عملاقة يتم تنفيذها فى أماكن عديدة على أرض مصر؟
لقد استفزنى هذا الهدوء غير المبرر الذى يبدو عليه الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء، وهو يتحدث عن أزمة الانقطاع فى التيار الكهربائى وكأنه واجب على الشعب أن يتقبله، بل أثار بداخلى موجة من الغضب لا تقل فى حدتها عن هذا الغضب «المكتوم» الذى اجتاح الشارع المصرى حينما طفح الكيل وفاقت الأزمة كل الحدود خلال شهور الصيف.. فكيف يظل مسؤول كبير يشغل منصب وزير فى الحكومة هكذا مكتوف الأيدى ولا يبادر بالبحث عن حلول حاسمة وحازمة لتلك الأزمة «الخطيرة» وكأن الوزير فى واد وبقية أفراد المجتمع يعيشون فى واد آخر أو أنه آخر من يعلم بتلك «المصيبة»، ففى اعتقادى أن أزمة مثل انقطاع التيار الكهربائى على هذا النحو من «البشاعة» كفيلة بأن تعصف بأى وزير بل وتهدد أيضاً استقرار الحكومة بأكملها، فالأمر لم يعد يحتمل «السكوت» ولم يعد فى مقدور أى أحد تحمل نفس المعاناة التى عشناها خلال شهور الصيف الخانقة والمثيرة للأعصاب والتى تسببت فى حرق الدم والتوتر، بل إن انقطاع التيار الكهربائى تسبب أيضا فى «خراب البيوت» حينما تعطل الكثير من المصانع وأوقفت حال المحلات التجارية، وأصيب الشارع المصرى بالكامل فى مقتل.
الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة، قبل أن يتولى هذا المنصب كان له الكثير من الرؤى والأفكار التى أعلن عنها فى العديد من المناسبات، وكانت جميعها تصب فى معنى واحد وهو مطالبة من يتولى وزارة الكهرباء أن يضع استراتيجيات محددة لمحاصرة أزمات الطاقة بوضع خطط بديلة، فقد سبق له القول وبصفته أستاذاً للهندسة الكهربائية فى جامعة القاهرة، واستشارى الكهرباء بمنطقة الشرق الأوسط، أن أولى المشكلات التى يعانى منها الوضع الحالى للطاقة، هى ازدياد الطلب على الكهرباء والطاقة فى ظل عجز قدرات توليد محطات الكهرباء على تلبية الطلب المتزايد، والوفاء بالاحتياجات التى ستتزايد فى حال اتجاه مصر إلى التنمية الحقيقية وإحداث الاستقرار المرجو، مما يجعل الناظر للمشهد الحالى، يؤكد أن المرحلة المقبلة ستشهد تعقيداً وصعوبة فى وضع الطاقة والكهرباء فى مصر.
واللافت للنظر أن الدكتور محمد شاكر، وزير الكهرباء والطاقة، وهو أستاذ فاضل ومشهود له بالكفاءة العلمية، فقد كان دائما يشير إلى ضرورة أن يكون وزير الكهرباء واحدا من بين الخبراء فى هذا المجال حتى يكون قادراً على أن يضع حلولاً علمية تستند إلى معطيات الواقع، ولكنه وللأسف الشديد بعد أن تم اختياره وزيرا للكهرباء تبخرت كلماته ولم نر له إنجازا تذكر فى هذا المجال فكانت المحصلة النهائية فى هذا الشأن أننا قد «اشترينا التروماى» وعشنا أياما أتمنى من الله ألا يعيدها مرة ثانية، منذ توليه المنصب جاء ومعه هذا الوضع المظلم وأصبحنا على يقين بأن تلك الرؤى والأفكار للحلول لم تكن فى حقيقة الأمر سوى مجرد تصريحات و«كلام» للاستهلاك الإعلامى، فأين دور وزير الكهرباء فى تلك الأزمة وأين كلامه عن مبادرات لإجراء حوار مجتمعى لترشيد الطاقة فى مصر.
كما أن هناك مسألة فى غاية الأهمية تتعلق بمحطات توليد الكهرباء فحينما «تقع الفأس فى الرأس» وتحدث أزمة وينقطع التيار الكهربائى فإن أول ما نسمعه من الوزير أو حتى من معاونيه أن السبب فى ذلك يرجع إلى أن إحدى المحطات قد تهالكت وأصبحت غير قادرة على العمل وتحتاج إلى إجراء صيانة وإحلال وتجديد، وهنا أتساءل: هل هذا الأمر يعد مفاجأة للوزارة وهل ليس لدى الوزير علم بتلك المحطات وبالعمر الافتراضى لكل منها وأنها لم تعد قادرة على العمل والإنتاج؟.
يجب أن يكون لدى أى وزير فى الحكومة قدر من الشجاعة تجعله يخرج على المواطنين ويعترف بأنه أخفق فى إيجاد حلول عملية وواقعية لمشكلة الانقطاع المستمر فى التيار الكهربائى سواء كان ذلك بسبب النقص فى الطاقة التى تعمل بها محطات توليد الكهرباء أو أن هناك خللا فى منظومة الإدارة أو بسبب عدم وضوح رؤية إدارية ناجحة فى قطاع مهم مثل قطاع الكهرباء.. فهناك مثل شهير يقول «تقدر قوة السلسلة بقوة أضعف حلقاتها» فقد يكون الوزير متمكناً من علمه ومن خبراته الطويلة فى هذا المجال ولكنه يبقى فى نهاية الأمر مجرد حلقة فى سلسلة تقود هذا القطاع فلو كانت بالفعل هناك عناصر «فاسدة» تقوم بإتلاف محطات الكهرباء لترتب عن ذلك تدهور المنظومة بالكامل بل وأصبحت هذه «السلسلة» من أولها لآخرها فى موقف لا تحسد عليه، مما يتطلب التحرك السريع والعاجل فى الاتجاه نحو الارتفاع بالكفاءة الفنية للعاملين من خلال تكثيف الدورات التدريبية والتاهيل الفنى، فقد يتسبب عامل بسيط فى خروج محطة بالكامل عن العمل لضعف قدراته الفنية، من منطلق البحث عن حلول سريعة لمشكلة انقطاع التيار الكهربائى وحتى لا تتكرر مأساة الصيف الماضى فإننى أرى أهمية القرار بالسماح للقطاع الخاص بالدخول فى عمليات إنشاء المحطات الكهربائية، سواء محلى أو أجنبى، وأرى ضرورة التفكير بشكل جدى عن بدائل أخرى بخلاف استخدام الغاز الطبيعى كوقود لمحطات الكهرباء،لابد أن يتحرك الدكتور محمد شاكر وزير الكهرباء وأن يكون أكثر جدية فى البحث عن حل لتلك الأزمة، وأن يتنبه إلى الخطر الذى قد يترتب عن هذا التعامل بشكل يستفز مشاعر الناس الذين يتطلعون إلى المزيد من الاستقرار فى هذه المشكلة قبل أن تتحول إلى كابوس قد لا تحمد عقباه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة