قبل 1200 عام، كتب الإمام الشافعى كلمات بديعة يصف بها حال العلم والعلماء، قال: «واعلم بأن العلم ليس يناله من همه فى مطعم أو ملبس».. قرأت بيت الشعر عشرات المرات فى أوقات مختلفة، وفى كل مرة أتأمله كأننى أقرأه للمرة الأولى، وأسأل نفسى: هل يوجد حقًا علماء بوصف الشافعى فى زماننا؟، ودائمًا كان التبرير: «طبعًا فيه بس اهتمامنا بالسياسة شاغلنا عن اكتشاف علمائنا الحقيقيين».
صباح أمس الأربعاء تغيرت إجابتى، وبدلًا من التبرير أجبت بنعم، يوجد علماء بحق، يقدمون العلم على المال، ويؤثرون مصلحة الوطن على كل مطلب شخصى، ويشتاقون لخدمة مصر.. أتحدث عن الدكتور هشام عاشور، مدير مستشفى «إيسارليون»، مدير أكبر مستشفى للولادة والنساء بألمانيا، وصاحب قصة كفاح يعرفها الألمان قبل المصريين، لدرجة أن الرئيس الألمانى زاره بنفسه فى المستشفى ليثنى على أدائه الطبى المتميز، وعلى إنجازه العلمى فى جراحات أورام الثدى وسرطان الرحم.
هشام عاشور يزور مصر ضمن مبادرة أطلقها زميلى الكاتب الصحفى أحمد فايق، مقدم برنامج «مصر تستطيع»، وتحمل عنوان «وقتك لبلدك»، وتتلخص فى دعوة كل العلماء المصريين فى الخارج لزيارة مصر، واستقطاع جزء من وقتهم لصالح مصر.. علماء الطب يجرون الكشف الطبى المجانى على الحالات المتعثرة، وينفذون العمليات الطبية، ويدربون عليها الأطباء المصريين، وعلماء الطاقة ينظمون محاضرات لأساتذة كلية الهندسة، وعلماؤنا المنخرطون فى الجامعات العالمية يخصصون منحًا دراسية لشباب الباحثين المصريين.
صديقى فايق سيرتب الأشهر المقبلة زيارات لعلماء أجلاء آخرين، أبرزهم الدكتور إبراهيم الدكرورى، رئيس قسم جراحة المخ والأعصاب بمستشفى جامعة دوسلدورف فى ألمانيا، والدكتور علاء الغنيمى، رئيس الجمعية الفرنسية لجراحة المسالك البولية، والدكتور أحمد خليل، مشرف قسم أورام الجهاز الهضمى بمستشفى تنون بفرنسا، والدكتور مصعب مجاهد، رئيس قسم الأمراض الجلدية بجامعة آخن، مكتشف جين جديد بالإنسان، والدكتور هانى سويلم، المدير الأكاديمى لهندسة المياه بألمانيا، والدكتور حسن سويلم، العالم النووى الذى أشرف على إنشاء 12 مفاعلًا نوويًا.
الزيارات فى حد ذاتها، ومبادرة «وقتك لبلدك» تخلق حالة من الحراك النوعى لدينا نحن جيل الشباب، حراك يتمثل فى أن كتلة جديدة من علماء مصر بالخارج، علماء هجروها قبل سنوات، يهرولون سريعًا إليها، إدراكًا بأن مصر بحاجة إليهم اليوم قبل الغد، وأن ما هم فيه من علم لابد أن ينعكس بالخير على أوطانهم.
أصاب أحمد فايق فى طرحه المبادرة، وهو ما يوجب علينا أن نشكره على ما يقدمه من إعلام مختلف.. إعلام المستقبل.. إعلام العلم لا الإثارة.. إعلام «مصر تستطيع».
اسمعونا.. فيه أمل.