قبل أن تنشأ وزارة الثقافة فى مصر ظهر أعظم شعراء مصر مثل حافظ وشوقى وأحمد محرم ومحمود حسن إسماعيل وقبلها ودون الوزارة ظهر أعظم كتاب فى مصر مثل المنفلوطى والزيات والمازنى والعقاد وطه حسين والرافعى ومحمد فريد وجدى وكانوا من أعظم كتاب عصرهم.. وقبل الوزارة كانت الصحافة راقية وعالية المستوى ومهنية وفى غياب أى تقنيات متقدمة ظهر د. محمد حسنين هيكل والشيخ على يوسف وأحمد أبوالفتح فضلا عن اللبنانيين الذين أنشأوا الأهرام ودار الهلال وقبلها أيضا كان الفكر الإسلامى الوسطى فى أعظم توهجه فكان الإمام محمد عبده وتلاميذه أمثال الشيخ المراغى وغيرهم.
والخلاصة أنه كانت فى مصر ثقافة عظيمة واهتمام باللغة والشعر دون أن تكون هناك وزارة للثقافة والفترة الوحيدة الجيدة فى تاريخ وزارة الثقافة هى تلك التى تولاها المرحومان فتحى رضوان وثروت عكاشة وقام كل منهما فى وقته بتجهيز البنية الأساسية الثقافية للوزارة وأصدر كل منهما مجموعات كثيرة من الكتب تحت عناوين دوريات رائعة كان الناس يتلهفون على شرائها وقراءتها، كما طبعت الوزارة أهم وأرقى كتب التراث الإسلامى ومنها إحياء علوم الدين لعبقرى الإسلام وصاحب أرفع عقلية إسلامية أنجبها قرنه حجة الإسلام «أبوحامد الغزالى» وتفاسير مثل القرطبى إلخ.. تحت منظومة رائعة اسمها كتاب الشعب والذى طبع أيضاً روائع الأدب العالمى من مسرحيات وروايات لشكسبير وغيره وقد كانت تباع كل مسرحيات شكسبير مترجمة ومطبوعة طباعة جيدة بقروش معدودة لا تجاوز الخمسة وكان الجزء الواحد من إحياء علوم الدين يباع أيضاً بقروش معدودة فضلا عن سلسلة «أعلام العرب» والتى كان يباع الجزء الواحد منها بخمسة قروش لا غير. فقد كان فتحى رضوان وثروت عكاشة من أهم المثقفين المصريين العظام الذين جمعوا بين كل أدوات الفكر الحضارى الحقيقى الذى يتلائم مع قيمنا وديننا وكان كلاهما يريد أن يربط الأمة بعروبتها ودينها وتراثها.. وكانت الوزارة وقتها لا تطبع إلا أجود الكتب ولم تعرف فى عهدهما المجاملات ولا الرشاوى ولا بيع الجوائز للمحاسيب، أو بيع الجوائز لكل من يطعن فى الدين.. أو تطبع كتبهم على نفقة دافعى الضرائب.
وحينما تولى الوزارة العبقرى والمجاهد الحقيقى فتحى رضوان أعطى الجائزة التقديرية للعقاد ليقول بعدها: إن هذه الجائزة اكتسبت شرعيتها من قبول العقاد لها. ثم دارت الأيام دورتها لتمنح الوزارة جائزة الدولة التشجيعية فى عهد مبارك وفاروق حسنى «لسيد القمنى» الذى شكك الكثيرون فى صحة حصوله على الدكتوراة.. وكتب الكثيرون عن تزييفه للرسالة.. وهذا أمر بسيط بالنسبة للطامة الكبرى وهى إنكاره لنبوة النبى «ص» فى كتابه «الحزب الهاشمى» الذى يخلص فيه إلى «أن بنى هاشم أرادوا السلطة والسيطرة على قريش فلم يجدوا وسيلة سوى ادعاء النبوة لمحمد «ص» حيث اجتمعت السلطة ممثلة فى أبى طالب عم الرسول والثروة ممثلة فى السيدة خديجة لتكون بابا لتربع محمد على عرش العرب جميعا.. هكذا يكتب ويفكر أمثال القمنى. وهذه الخزعبلات لا يكتبها تلميذ فى الابتدائى ولا يعنينى الآن الرد عليها فهى أتفه من ذلك وقد كتبت عنها مقالات كثيرة وقتها.. ولكن صاحبنا أعجب قادة وزارة الثقافة وقادتها يومها فأعطوا القمنى جائزة الدولة التشجيعية وهى من أرفع الجوائز المصرية ومنحوه زورا وبهتانا وسحتا قرابة 100 ألف جنيه من أموال دافعى الضرائب المصريين الغلابة.
من حق وزارة الثقافة ووزيرها وقادتها أن يحبوا القمنى كما يشاءون ويعجبوا بأفكاره كما يريدون ولكن أن يعطوه جوائز رفيعة باسم مصر لرجل يسب نبى الأغلبية الكاسحة من المصريين.. ثم يعطونه من أموال الشعب المحب لدينه ونبيه مكافأة على سبه للنبى وطعنه فى مقدسات الأمة فهذا هو الضلال بعينه. والغريب إنك لو سألت أى عالم فى العلوم الاجتماعية عن عطاء سيد القمنى للعلوم الاجتماعية لأجابك الجميع!!!.. لم نسمع عنه من قبل!!.. لا عطاء له!!.. لا يعرف عن العلوم الاجتماعية شيئا ً!!.. صفرا!! ً
إن إباطرة الوزارة لم يكتفوا بذلك أيام مبارك بل طبعوا على نفقة الشعب الغلبان ودافعى الضرائب رواية «وليمة لأعشاب البحر» لكاتب سورى مغمور فيها شتائم بذيئة لله سبحانه وكأن الأدب العربى والمصرى خلا من الروايات التى تصلح للطبع ويومها خرجت المظاهرات المدوية من جامعة الأزهر الشريف وتم سحب الراوية ومعالجة الموضوع. صحيح أن هذه المظاهرات العارمة أعطت شهرة للرواية لا تستحقها ولكنه الكمد والغيظ الذى تلاحقنا به هذه الوزارة بين الحين والآخر. واليوم تعود الوزارة إلى سيرتها السابقة بعد أن ظننا أنها ستغير فكرها وتطور من نفسها وتنشغل بمعالجة آفات الأمة المصرية الحقيقية وتمحو الأمية الثقافية والفكرية وتحسن استغلال الإمبراطورية الكبيرة التى تملكها من قصور الثقافة وغيرها من إمبراطوريتها الكبيرة لربط المصريين بكل ما هو جيد ومفيد ونافع من الفكر الإنسانى الذى لا يصطدم مع ثوابت الشريعة.
ولكن لا جديد فى الأفق، فالفعاليات الثقافية نادرة ولا يحضرها أحد وأكبر فعالية فى القاهرة قد لا يحضرها إلا العشرات أما الأقاليم فلا جديد والموظفون الذين يديرون قصور الثقافة قد لا يحضر أكثرهم وإذا حضروا فللمسامرة والحديث وشرب الشاى وقراءة الصحف. إنه الروتين المدمر الذى تجده بصورة بشعة فى هذه المؤسسات التى يفترض فيها الإبداع والتجديد الفكرى والعقلى. ولكن ما الحيلة وقد قتل الإبداع عند أكثرهم ومات التجديد فى عقولهم.. وغاب الهدف الاستراتيجى من رأسهم.. فلا ترسيخ لفكرة جيدة فى المجتمع أو معالجة لسلبية فكرية أو ثقافية أو دينية.. ولا فضيلة غائبة يبحثون عن إحيائها ولا خلق ذميم يريدون معالجته أو إلحاد يريدون مقاومته.. إنهم أشبه بالموظفين المحنطين الذين يمثلون عبئا ً على الدولة وليس إضافة لها. أما مجلات وزارة الثقافة وإصداراتها فهى منذ زمن بعيد لا يقبل عليها أحد وبعض مجلات الثقافة «المرتجع منها أكثر من المطبوع» على حد قول الساخرين وبعضها وزع أربع نسخ فى إحدى المرات.. وكل مجلة لها هيكل إدارى وميزانيات وطباعة وتوزيع ومصاريف وأموال.
والغريب بعد ذلك الفشل الذريع للوزارة أن يصدر عنها أن الأزهر هو الذى قتل الإبداع وأخر الإبداع فى مصر وكأن الأزهر هو سر فشل الوزارة فى مشروعاتها الإبداعية فأين مشروعاتها الإبداعية التى عطلها الأزهر؟ أين إبداعكم ولم يحصل أى مشروع للوزارة على أى جائزة عالمية؟ ولم تنفذ الوزارة أى عمل إبداعى كبير تعرض من خلاله تاريخ مصر مثلا ً فى أفلام سينمائية أو تؤرخ لعمل عظيم مثل حرب أكتوبر أو عين جالوت أو حطين أو أى مآثر فى التاريخ المصرى كله.. بدءاً من الفرعونى وحتى الآن فى أعمال سينمائية ضخمة؟
لقد أصبح الأزهر الشريف «الحيطة المايلة» لكل من يريد أن يشتم أو يهاجم أو يدارى فشله؟.. أو لا يقوم بعمله على نحو جيد أو لا يقدم جديدا فى ميدان عمله.. فلا يجد إلا الأزهر كى يحطم البقية الباقية فيه. وهل منع الأزهر الوزراء العمالقة مثل فتحى رضوان أو ثروت عكاشة رحمهما الله من مشروعاتهما العظيمة فى إخراج كنوز الأدب والفكر الإسلامى والعربى والعالمى إلى النور للمصريين. لقد أنتج العقاد أكثر من 130 كتابا لم يعترض الأزهر على واحد منها وأخرج الشعراء العظام مثل حافظ وشوقى وأحمد محرم وغيرهم مئات الدواوين التى كان الأزهر نفسه يشدو ويتغنى بها. أليس الأزهر هو الذى احتمى به قادة وزارة الثقافة الآن فى زمن حكم الإخوان؟ أليس هو الأزهر الذى كانوا يمتدحونه صباح مساء؟ ويقولون عنه وعن شيخه إنهم المسؤولون عن وسطية الإسلام واعتداله ورموزها، ألم يشارك هؤلاء الأزهر وشيخه الطيب كل الوثائق التى أخرجها بعد ثورة 25 يناير وكانوا يلجأون إليه ويحتمون به ويعتبرونه سندهم ضد من يتشدد معهم أو يسىء إليها؟ أين ذهب هذا الحب؟.. أم أنهم أدركوا ضعف الأزهر اليوم فأصلوه نارا ً لعلة يسقط ويهوى كما سقط غيره؟
إن أزمة بعض المثقفين الذين قادوا ويقودون الحركة الثقافية أنهم كثيرو الادعاء أنهم حملة مشاعل «التحرر والتنوير ومحاربة الديكتاتورية» والجميع يعلم أنهم أكلوا على كل موائد الديكتاتوريين بدءا من مبارك وحتى القذافى. إن هؤلاء يريدون حرمان الأزهر حتى من النطق أو الجهر بالرأى الفقهى الذى يراه والذى لا يلزم أحدا ً فى الحقيقة.. يريدون قهره وكبته حتى ينطق بما يريدونه هم.. لا ما تريده الشريعة أو يراه العلماء الكبار فى الأزهر إنهم يريدون تخويفه وترهيبه حتى يصمت صمت القبور أكثر من صمته الحالى. إنهم يريدون حرمانه من أبسط الحقوق التى يكفلها الدستور لأصغر كاتب.. إنهم يستغلون حياء شيخ الأزهر ومؤسسته فيكيلون له وللشريعة أيضا التهمة تلو الأخرى، إن حبهم للأزهر والطيب هو حب نفعى مغشوش وليس حبا ً صادقا ً أصيلا وبعض الناس فى مصر لو استطاع هدم الأزهر لهدمه.
والغريب أن الأزهر واقع بين سندان أهل التغريب والعلمانية ومثقفيها وبين مطرقة التطرف والغلو الدينى من جهة أخرى وكلاهما لا يرضى عنه ويريد السيطرة عليه.. ولن يسكت الفريقان إلا حينما ينتفض الأزهر ليذود عن نفسه وعن الإسلام السمح الوسطى العدل الذى لا يعرف إفراط المغالين ولا تفريط المقصرين. ألم يأن لك يا أزهر أن تقوم من رقدتك؟ ! أيها المارد الجبار لماذا النوم الطويل والصغار يعبثون بك صباح مساء؟! لماذا الركود والسكون؟.. لماذا لا تبدأ الطرفين بالهجوم فتمحو عن ساحتك وساحة الشريعة الهزيمة من الجانبين؟ !! ولماذا تهتم بالدفاع عن د/ شومان - وهو رجل فاضل مهذب ينبغى الدفاع عنه - أكثر من اهتمامك بالدفاع عن نفسك وعن أمثال البخارى وأبى حنيفة ومالك وغيرهم من علماء السلف الصالح الذى يتطاول عليهم الآن الصغير والكبير.. ويسخر منهم كل من هب ودب.. استيقظ يا أزهر قبل فوات الأوان.. ولا تخشى فى الله لومة لائم.