بصراحة شديدة.. كلما قرأت خبرًا عن قائمة الجنزورى أو لقاءً عقده عمرو موسى أشعر بأن المسافة بيننا وبين النهوض تتسع وتطول، فكيف يمكن لبلد منهك مثل بلدنا أن يتصدر اثنان من العواجيز - مع كامل الاحترام - المشهد البرلمانى!
إن الدكتور كمال الجنزورى مولود فى عام 1934، فى عهد الملك فؤاد، أى أنه أصبح على مشارف عامه الحادى والثمانين، وعمرو موسى طل على دنيانا عام 1936، فى أول عهد الملك فاروق، أى أنه بلغ 78 سنة الآن، وكلنا يذكر جيدًا كيف كنا ننتقد مبارك لأنه من الجنون أن يحكم مصر رجل فى الثمانين!
لا ريب فى أن إقدام هذين الرجلين لاحتلال المساحة الأهم من البرلمان المقبل يعود إلى عدة أمور.. أولها طموحهما الشديد فى الحضور والتواجد والتأثير، وهو طموح مشروع يدركه جيدًا كل من ذاق لذة الشهرة وحلاوة السلطة، لكن هل كل شخص قادر على تحقيق طموحه؟
هنا مكمن المشكلة.. وهى أننا نعانى أشد المعاناة من الفراغ السياسي، فالعقود الخمسة الأخيرة حالت بين الشعب بطبقاته المختلفة وبين العمل السياسى المنظم الدءوب الذى يستهدف مصالح الغالبية العظمى من الناس، فلا وجود لأحزاب حقيقية تعبر عن أحلام الفقراء من عمال وفلاحين وموظفين صغار وعاطلين عن العمل إلى آخره.. لا وجود لمثل هذه الأحزاب على الإطلاق، أما الأحزاب الشرعية المعترف بها.. فكلها أحزاب هشة غير مؤثرة فى الواقع اليومى للملايين المنهكة فى البحث عن لقمة العيش.. أحزاب يبحث قاداتها عن مغنم هنا أو مكسب هناك!
أى إنه الفراغ السياسى المرعب، ووفقًا لقوانين الطبيعة، فإن الفراغ يبحث دومًا عمن يملأه، وهكذا وجد الجنزورى وعمرو موسى الفرصة سانحة لملء هذا الفراغ، فمضيًا يعقدان اللقاءات.. ويقربان هذا ويستبعدان ذاك من أجل التخطيط للظفر برئاسة البرلمان!
لا لوم عليهما ولا تثريب، ولكن اللوم كله يقع على هؤلاء الشباب الذين ثاروا وانتفضوا ضد مبارك ومرسى، لكنهم أخفقوا طوال أربع سنوات فى تأسيس حزب سياسى ينشر برنامجه بين الناس، وانشغلوا بالوجاهة الإعلامية والزعامة الشكلية، فتركوا الساحة للعواجيز يديرون لنا شئون المستقبل!