كانت المعارك الوطنية لثورة 23 يوليو 1952 تتواصل، والتعبير عنها بالغناء يتعاظم، وحين نعود الآن إلى الاستماع للأغنيات الوطنية المعبرة عن هذه المعارك، يظهر أن لكل مطرب مذاقه الخاص، لم نكن أمام أغان كنشرة أخبار تتم قراءتها بنص واحد، سألت عمار الشريعى عن هذا التنوع، أجاب: «نعم كان لكل مطرب مذاق مختلف»، سألته: «كيف؟»، أجاب: «تعالى نطبق الكلام ده على معركة واحدة، هى معركة بناء السد العالى، نقارن بين ثلاث أغان للثلاثة الكبار، أم كلثوم، عبدالوهاب، عبدالحليم».
يضيف عمار: «غنى عبدالحليم «قلنا هنبنى وداحنا بنينا السد العالى»، وعبدالوهاب عمل «ساعة الجد»، وأم كلثوم غنت «كان حلما فخاطرا فاحتمالا»، كل غنوة من الثلاث تحوى صفات صاحبها الغنائية»، أسأله: كيف، يجيب: «مع عبدالحليم نحن أمام التدفق، والشعبية، والسيطرة الجماهيرية، يمسك الموضوع من أوله «تسمعوا الحكاية/ بس قولها من البداية/ هى حكاية شعب بالزحف المقدس قام وثار»، افترض هنا إن فيه جمهور بيكلمه، الشاعر أحمد شفيق كامل كتب الافتراض، وكمال الطويل لحنه، وعبدالحليم غناه، والثلاثة ناموا على كتف الفلكلور المصرى «ضربة كانت م المعلم»، جملة صغيرة وقصيرة تتردد فى الحارة الشعبية والقرية».
ينتقل «عمار» إلى حالة محمد عبدالوهاب، يراه باحثًا عن «الفكر الجديد»، يدلل بتعاونه للمرة الأولى والأخيرة مع المايسترو عبدالحليم نويرة فى توزيع «ساعة الجد». عمار يصف نويرة بالعبقرى، ويقول: «عبدالوهاب مزج فيها بين عبدالوهاب الهادر الرصين، والدقات العمالية، كأن هناك عملية بناء تحدث فى أثناء الغناء، كان يبحث بهذه الأغنية عن فكر جديد بصرف النظر عن اهتماماته الرئيسية بموسيقاه، الغنوة حلوة رغم أنه ممكن كلمة تتحط مكان كلمة فيها، لكن هذه ليست نظريته، نظريته كانت لحنه المهتم فيه بفكره الجديد، بالشكل الأوركسترالى من عبدالحليم نويرة».
ماذا عن أم كلثوم؟، يجيب عمار: «كان حلما فخاطر فاحتمالا» كلمات عزيز أباظة، يتوقف عمار أمام القصيدة وغناء أم كلثوم لها، يقول: «هى التى تصدت للشعر»، أقول له: «لكنها غنت أيضا العامية، غنت «حولنا مجرى النيل يا سلام على ده تحويل»، يرد: «نعم لكنها هى أم كلثوم، هى المهيأة لتصدير أغنيتها إلى الأمة العربية كلها رغم اختلاف اللهجات، وحين تصدر أغنيتها، تصدر فى نفس الوقت المعركة الوطنية التى عبرت عنها، كانت هى الأكثر سيطرة على الوجدان العربى، هى التى يتم القبول منها ما يتردد الكثيرون فى قبوله من غيرها، فغنت «كان حلما فخاطرا»، واحتمل الأمر لعب السنباطى فى اللحن وكبرياءه وعنفوانه، وزى ما قلت لك قبل كده الفكر الموسيقى عن السنباطى مقدمات تؤدى إلى نتائج، فكر مخطط متسلسل وليس عشوائيًا».
يستخلص عمار: «كان حلما فخاطرا فاحتمالا»، كانت هى الأغنية الرصينة التى تصلح للتصدير إلى الأمة العربية عن معركة عظيمة، هى معركة السد العالى.