الذين صدقوا أن قطر تدعم الثورات، يصدقون أن «الجزيرة مباشر» أداة تعبير ثورية، وأن تركيا نظام ثورى، هم لا يصدقون لكنهم يفضلون التصديق لأن به سبع فوائد، وبعد أن تم انتهاك كل الكلام والمصطلحات الثورية، منذ تحول جيفارا إلى «لوجو» مطعم، وصور على «التى شيرت»، والثوريون يمارسون الثورة كوظيفة يذهبون لها فى الصباح، ويعودون بعد الظهر ليكملوا على «كنبة».
اللعبة هذه المرة مربحة ومفيدة للجيب والصحة وتوفر نوعا من الثورة الافتراضية على الشاشات وإلقاء أى « تحاليل» بصوت عال، مطعمة بمصطلحات من عينة « الثورة سوف تنتصر وتهزم الثورة المضادة»، وروزا لوكسمبوج وكومونة باريس وإطاحة الدولجية من سبات التماهى فى متسلطيهم»، ويلقى الثورى من هؤلاء كلماته ويعود إلى فندقه سالما غانما ويفتح صفحته ليطلع على عدد «اللايكات والريتويت»، من المؤيدين، والبلوك للمختلفين. هذا هو الثائر السيبرانى، يتعالى على الثوريين التقليديين الذين يسعون بين الناس باحثين عن أمل. لم يهربوا للبحث عن مدد ثورى فى الدوحة أو إسطنبول.
بعضهم يعرف اللعبة، ويمارسها بدور مزدوج، أو بحثا عن ربح، وبالطبع ضمن من سكنوا «الجزيرة مباشر»، هناك منتمون لجماعة الإخوان، لا يعترفون بأخطاء ويؤمنون بنظرية مؤامرة كونية، هللوا لأنباء عن دخول الأسطول الأمريكى عند شواطئ مصر، ويتهمون أمريكا بإسقاطهم، تختلف مع هؤلاء وتعذر التزامهم بالسمع والطاعة.
أما الثوريون الافتراضيون، فهم يعملون بمقابل ويبحثون عن وظيفة، ويعرفون أنهم يبيعون بضاعة متفق على أنها «مضروبة» تعتبرهم الجماعة «مؤلفة قلوبهم»، ويرونها «سبوبة» تستحق أن يستخدم الثورى السابق والثورى المتقاعد أعلى مراحل المزايدة ليحصل على أطول مدة من العمل فى «الثورة» طبقا لفترات البث. بشرط ألا يطنطن بكلام عن أن الدوحة عاصمة الربيع العربى، وإسطنبول عاصمة «المد الراديكالى التخصصى».
المفارقة أن المحترفين أفضل حظا من التابعين، فهم أكثر احترافية فى تقديم ولائهم لقضية لم يؤمنوا بها. لن يعجزوا عن إيجاد بديل فى قنوات تركية، تعيد تجربة دكاكين الأنظمة العربية فى الثمانينيات بأوروبا، يومها ولد نمط من الثوريين فى الفنادق، يعتبرون كل خصوم مموليهم رجعيين، وممولهم هو الثورى، كانت العراق وليبيا وسوريا ودول الخليج تتنافس على شراء المنصات الثورية، وتستأجر محترفين، يعرفون قواعد اللعبة، وأنها مؤقتة،يتصالح الممولون، ويحول المحترفون دفتهم للجديد. وبنفس الثورية، كانوا يستطيعون تقديم الوجبة بشكل جذاب. وزعيمهم فى هذا صحفى باع صحيفته لأكثر من عشرين نظاما متناقضا. ومازال، وربما كان هو المثل الأعلى لتجار الكلام. ولهذا قصة.
المشكلة أن هؤلاء المحترفين يربحون، لكنهم يخدعون سذجا، يصدقونهم ويصفقون لهم، دون أن يعرفوا أنها لعبة لها قواعد.