أحيانا كثيرة يعجز القلم عن الكتابة ويظن العقل أنه ليس هناك أى فائدة من الكتابة مهما كان الموضوع المراد التعبير عنه، فالوعى الجمعى أصبح يشكل من الإعلام المرئى فقط بكل آسف الذى يمر بمرحلة متفردة من الانحدار هذه الأيام إلا من رحم ربى، فلا أعتقد أن للكتابة أو للقراءة فائدة عظمى فى هذه الفترة إلا للفضفضة من جهة وإثبات موقف من جهة أخرى، فأحوال مصر تتغير بسرعة الصاروخ، وما ليس له فائدة اليوم سيكون له فائدة جمة فيما بعد، وما كان له قيمة الآن لن يذكر فى المستقبل، ففى النهاية لن يبقى ولن يستمر ولن يصح إلا الصحيح فقط، فالموجة التى تركب تختفى والأمواج مختلفة ومتلاحقة وغير ثابتة، وأعتقد أن هذه الحالة من فقدان القدرة على الكتابة يمر بها الكثيرون لأسباب مختلفة وعوامل وظروف أكثر اختلافا، وغالبا يكون السبب الرئيسى المشترك تزاحم الأحداث وكثرة الموضوعات المطروحة للتساؤل أو للنقاش أو أكثر للاستعجاب والاستنكار خاصة فى مصر فى الفترة الراهنة، فلا أدرى هل من المفترض أن نتوقف عن الدهشة أو التعجب من أحداث تعد غريبة ونمر عليها مرور الكرام دون تعليق أم نستمر فى اندهاشنا لعل وعسى يأتى تفسير منطقى لعدم منطقية الأشياء؟!
فقد أدهشتنى مصر كثيرا فى الفترة الحالية، واستوقفت عند أشياء لا أرى لها منطقا أو مبررا، وأتساءل هل لتكرار الأشياء غير المنطقية مغزى فى حياتنا؟ هل الهدف أن نعتاد عليها ولا نراها غريبة فنتعايش معها ونعتاد عليها ولا نرفضها، أم أنها تحدث بالخطأ والسهو أو تكرار الغباء؟
أدهشنى مؤتمر مكافحة الفساد تحت إشراف رئيس الوزارء الحالى بحضور أحد رجال الأعمال الذين طالتهم الاتهامات بالفساد فى عهد مبارك!
أدهشنى أن تُدعى مسؤولة كبرى فى مركز كارينجى للأبحاث من جهة دبلوماسية تابعة لوزارة الخارجية المصرية ويقوم الأمن المصرى بمنعها من الزيارة، ونتوقف هنا لنتساءل هل الخارجية المصرية لا تعلم موبايل الأمن المصرى للتنسيق قبل الدعوة؟!
أدهشنى بعد ثورتين أن يمنع إذاعة ألبوم غنائى فى الإذاعة المصرية لأى سبب كان وكأننا لا نزال فى حاجة أن نتعلم أن «الممنوع مرغوب»، والحمد لله ألبوم الفنان حمزة نمرة اختلفت أو اتفقت على فنه أو حتى فكره حصد أعلى المبيعات.. أفلا تعقلون أن زمن المنع انتهى انتهى انتهى.
أدهشنى أن تصبح حلقة من حلقات أحد برامج الفضائيات هى حديث الرأى العام المصرى ليلا ونهارا، فموضوع الحلقة يتحدث عن الجن، فماذا ننتظر من هذا الشعب فى المستقبل عندما يكون هذا إعلامه؟ فهل نحتاج دروسا أكثر من ذلك لكى نتعلم من مقولة «أعطنى إعلاما بلا ضمير، أعطك شعبا بلا وعى» أم الهدف الحقيقى هو تغييب وعى الشعب لذلك ننفذ هذه الحكمة حرفيا وعمليا!
أدهشتنى دار الخدمات النقابية والعمالية فى 4 ديسمبر 2014.. عندما أعلنت إحالة 18 عاملا من العاملين بمكتبة الإسكندرية من قبل نيابة باب شرق الإسكندرية إلى المحاكمة بتهمة التظاهر عن واقعة احتجاج العاملين فى شهر أكتوبر عام 2011.. وتأتى المفارقة أن من ضمن المتهمين المرحوم «محمد يسرى سلامة» القيادى السلفى وعضو حزب الدستور.. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.
أدهشنى وأسعدنى أن يحصل شاب على قرار جمهورى بالمنفعة العامة لأرض زراعية تستخدم كمراحيض عامة «على حسب تعبيره» والمنفعة العامة هى مصنع بسكويت لخدمة أهالى المنطقة، أسعدتنى الفكرة وسرعة وسهولة الإجراءات واستوقفت عند سؤال مهم: كم شابا فى منطقته أرض بور أو تتجمع فيها القمامة ويريد أن يخدم أهل منطقته بسلعة ناقصة أو خدمة غير متوفرة يستطيع الحصول على هذا القرار الجمهورى؟ فعلى الحكومة أن تعلن للرأى العام الإجراءات التى اتخذها هذا الشاب ليحذو حذوه باقى شباب مصر وتتحول أراضى مصر البور إلى مصانع ونبنى مصر بجد ونحدث ثورة بناء، فالشفافية والمصداقية تمنع الفساد، والعدل بين الشباب أساس الملك يا حكومة!
أخيرا.. متى تتوقف علامات التعجب من تصدر المشهد المصرى؟ متى نتوقف عن السذاجة الممزوجة بالغباء ونعطى فرصة للمنطق والعقل أن يتحكما فى المشهد المصرى ولو تدريجيا؟!
اللهم بلغت اللهم فاشهد.