مساران أساسيان لتحليل زيارة الصين، الأول مراسم الاستقبال ومدى الاهتمام الإعلامى للجانبين، والثانى هو الوثيقة النهائية للزيارة المتضمنة اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة التى تستحق مزيدا من البحث بين السطور.
1 - اتفاق الشراكة يتضمن 6 أبعاد مختلفة للتعاون، واللافت أن مصطلحات جديدة تصاغ فى مجالات التعاون المشتركة مع دول أخرى فى بيانات رئاسية للمرة الأولى، مثل مصطلح التعاون فى العلوم وتكنولوجيا الفضاء والاستشعار عن بعد، رفض تسييس قضايا حقوق الإنسان، تدعيم مجالات الأمن الغذائى، التغير المناخى وأمن الطاقة، عام 2016 عام الثقافة المصرية الصينية، وكلها مصطلحات جديدة على قاموس التعاون بين مصر وأى دولة أخرى.
2 - فى الفقرة الأخيرة من البند الأول للاتفاقية، وهو بند يتعلق بالمجال السياسى، وردت عبارة «يؤكد الجانبان أهمية تأييد المصالح الحيوية، ويحترم كل منهما الشؤون الداخلية للآخر، ويؤيد حقه فى تحقيق مصالحه والحفاظ على أمنه القومى بكل أبعاده».. والسؤال، ما هو الدافع إلى أن مصر والصين الواقعتين فى قارتين مختلفتين يكتبان فى وثيقة مشتركة: «عدم التدخل فى الشؤون الداخلية والحفاظ على الأمن القومى»؟ والإجابة تكمن فى أن معلومات مؤكدة الشهور الماضية عن أن الصين تدعم إثيوبيا فى ملف سد النهضة وتدعمها ماليا، وخصصت عشرات الملايين للاستثمار هناك، ولكن بعد هذا الاتفاق والالتزام المشترك يعود وضع الصين إلى نقطة الصفر، انطلاقا إلى أن ملف سد النهصة هو قضية أمن قومى مصرى بامتياز، وللعلم مكسب كبيرا جدا أن يتم تحييد الصين فى ملف سد النهضة.
3 - أكثر كلمة ليست موجودة فى البيان ولكن تراود كل من يقرأ، هى «المصالح المشتركة»، والبيان قدمها على كل شىء، وظهر ذلك فى البند الثانى الخاص بالتعاون الاقتصادى، وتحديدا فى دعم مصر لإحياء طريق الحرير الصينى، ودعم الصين لقناة السويس الجديدة، وكلاهما مشروعان يكملان بعض ويعظما الفائدة، وهو ما يعكس كيف تنظر دولة عظمى كالصين للمشروع القومى المصرى وتنتظره بفارغ الصبر لأنه باب إحياء مشروعها القديم.
4 - اللافت أيضا أن مناقشة الجوانب العسكرية والأمنية المشتركة لم تكن تقليدية كأى زيارة سابقة لدولة متقدمة عسكريا بالإعلان مثلا عن صفقات سلاح أو استيراد طائرات أو مناورة مشتركة للقوات المصرية والصينية، ولكن جاءت الشراكة بشكل مختلف فى سياق 3 أوجه، تبادل الزيارات، تبادل التعليم العسكرى بين الكليات والمعاهد، وتفعيل لجنة مصرية صينية للشؤون الدفاعية والتعاون فى مكافحة الجريمة العابرة للحدود.
5 - أخيرا، المبهج أنه من صاغ البيان كان يقدم مزيدا من الرسائل اللافتة للنظر، فمثلا فى البند الثالث الخاص بالمجالات العسكرية، وهو بند يضم 4 سطور بواقع 59 كلمة، آخر 4 كلمات فيهم لابد أن يدرسوا، ونصهم أن البلدين يرفضان «المعايير المزدوجة فى مكافحة الإرهاب»، وهى رسالة موجهة للغرب وتحديدا البيت الأبيض الذى كان يدعو لمواجهة الإرهاب، وفى نفس الوقت يعطل صفقة الأباتشى لمصر فى وقت سابق.
6 - الصراحة، أنا لا أستطيع أن أمنع نفسى من شكر كل مجموعة العمل المصرية فى كل الدوائر، التى شاركت فى الزيارة وأعدت لها جيدا وخططت بحكمة لكل هدف، ووصلت فى النهاية إلى الصياغة الحكيمة للبيان المشترك.