عندما تقرأ المشهد السياسى، بتأنى، وتخضعه للعقل والمنطق، منذ ثورة يناير 2011، وحتى كتابة هذه السطور، تكتشف ما من شأنه أن يصيبك بإحباط شديد، واشمئزاز وقرف من كل شىء، وتتمنى أن تعيد عجلة الزمان للوراء، حتى لا تعيش، فى هذا الزمان.
وبالتدقيق فى المشهد الأخير عقب براءة "مبارك" ورجاله من قتل المتظاهرين، ستصاب بالصدمة العصبية التى تخرسك عن الكلام، وتشل عقلك عن التفكير، عندما تشاهد أمام عينيك أمرين غاية فى العجب:
الأول: إعلان المعارضة متمثلة فى زعيم التيار الشعبى حمدين صباحى، وكل مؤيديه فى انتخابات الرئاسة الأخيرة، من أحزاب الأنابيب، وحركة 6 إبريل، والاشتراكيين الثوريين، وأيضا جماعات الإخوان الإرهابية وحلفائها، الحشد لإدانة قرار المحكمة بالبراءة، ورأت فيه الفرصة السانحة لتوجيه طعناتهم للنظام الحالى.
الثانى: السلطة، تسارع، بالإدلاء بتصريحات، عن دعمها الكامل لأسر شهداء يناير، وتسخر كل أجهزة الدولة، لتقديم التعويضات، وتكلف الحكومة بعقد اجتماع خلال الأيام القادمة مع أعضاء المجلس القومى لأسر الشهداء ومصابى الثورة لبحث تنفيذ تكليفات الرئيس بمراجعة التعويضات الخاصة لأسر شهداء ثورة يناير واتخاذ كافة التدابير لتوفير الرعاية الاجتماعية لهم من خلال التنسيق بين الجهات المعنية.
ناهيك عن الرسائل الضخمة، التى أرسلتها السلطة لكل الذين، يرتلون بترنيمة سبابها وشتائمها، وإنزال اللعنات عليها، يوميا، مع بزوغ كل فجر، ومع غروبه، لتتودد إليهم، وتحاول أن تبرئ لهم ساحاتها _البريئة بالضرورة_ مما يحدث، وتطالبهم بإسداء النصح والرشاد لها، وكأنها تمنحهم الفيتامينات المنشطة، والقدرة على استمرار شتائمهم لها.
هذا المشهد، المقلوب، من أجل 239 قتيلا فى ثورة يناير، منهم 36 الذين نحتسبهم عند الله شهداء، لأن تم استشهادهم فى الميادين، أما الباقون فمنهم من قُتل أمام أقسام الشرطة، ومنهم من وجدت جثثهم فى المشرحة، فى حين الجميع يصمت، صمت القبور، معارضة وسلطة، حيال المئات من شهداء الحق والواجب، الشرطة والجيش، وكأن دماء من قُتلوا أمام أقسام الشرطة، أقدس من الذين استشهدوا، أثناء تأدية واجبهم فى الجبهات ضد الإرهابيين، والمخربين، لتأمين أرض وعرض وشرف أبناء هذا الوطن!!
الحقيقة، أن المعارضة الفاشلة بجدارة فى الشارع، والسلطة التى أظهرت قدرا كبيرا من الارتعاش والارتباك، ومدت خيوط الود على استقامته، مع الذين ينزلون عليها اللعنات، يتبعون سياسة الكيل بمكيالين، حيال المواقف المتشابهة.
أما نحن، فنعلنها بأسى وحزن.. آسفين لكل أسر شهداء الواجب من الجيش والشرطة.