هل مصر بحضارتها وتاريخها وتراثها الثقافى والعلمى ومخزونها الإنسانى وإسهامها فى الحضارة الإنسانية تهتز وترتعش وتخاف من مجرد عرض فيلم؟ وهل السماح بعرض الأفلام التى قد نعترض عليها وعلى ما تعرضه من مادة سينمائية اجتماعية أو سياسية أو تاريخية برؤية كاتبها ومؤلفها تؤثر فى سمعة مصر أو تنال من تاريخها وعراقتها؟
من يسئ إلى سمعة مصر هل هو الفيلم السينمائى أم الأيدى المرتعشة والعقول المنغلقة والأفكار المشوشة التى تتولى مسؤولية مناصب لا تدرك قيمتها ومكانتها، وتتخذ قرارات عشوائية وعبثية تتسبب فى ردود أفعال أسوأ من الفعل نفسه.
أتعجب دائما ونحن فى مرحلة، من المفترض بحكم الدستور يزدهر فيها الإبداع وتنتعش فيها حرية الرأى والتعبير وحرية المعتقدات، تلجأ الحكومة ممثلة فى وزارة الثقافة إلى سلاح العجزة والمرتعشين فى مواجهة الفن، وهو سلاح المنع الذى يعكس إلى مستوى هابط ومتدنى فى التعامل مع قضية فيلم أوعمل فنى أو أدبى وصلنا إليه دون تخطيط أو تفكير سليم فى اللجوء إلى أسلحة أخرى أكثر حكمة وذكاء، وكأننا عدمنا عقول تستطيع إدارة أزمة حتى لو كانت أزمة صغيرة مثل أزمة الفيلم الأمريكى «الخروج» الذى يتناول حقائق تاريخية مغلوطة عن قصة اليهود فى مصر والزعم باضطهادهم على يد رمسيس الثانى، وأنهم هم الذين بنوا الأهرام، وهى أكاذيب تم الرد عليها فى أكثر من مناسبة، كان من المفترض بدلا من منح الفيلم شهرة واسعة وتداوله بواسطة وسائل أخرى وزيادة عدد مشاهديه من زاوية الممنوع مرغوب.
السماح بعرض الفيلم كان هو الحل الأمثل فى رأيى وليس المنع، وقضية اليهود فى مصر والخلاف حول فرعون الخروج مثارة منذ سنوات، وفى كل مرة يتم الرد عليها، وفيلم الخروج الأمريكى ليس أو من ادعى هذه الأكاذيب بل هناك دعاة فى برامج دينية شهيرة لقنوها للناس، وكأنها حقائق مسلم بها، وأتذكر أن عمرو خالد تناول قصة النبى موسى فى مصر، وزعم أن نبى الخروج هو رمسيس الثانى أحد بناة مصر القديمة وأحد القادة المصريين العظام مثله فى ذلك مثل كثير من الدعاة الذين يعتقدون أن فرعون الخروج هو رمسيس الثانى، وهو ما يخالف الحقائق التاريخية الثابتة والقاطعة.
لو أن هناك عقلا يفكر ويدير أزمة لانتهز فرصة عرض الفيلم، وكشف زيف ادعاءات اليهود فى وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وليس الاستسهال الحكومى واللجوء المباشر إلى المنع.