حــســـن زايد يكتب: الإعدام المعنوى أشد من الإعدام المادى

الخميس، 04 ديسمبر 2014 08:10 م
حــســـن زايد يكتب: الإعدام المعنوى أشد من الإعدام المادى مشنقة - صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بغض النظر عن اختلاف المصريين حول الحكم الذى صدر ضد مبارك ونظامه، ما بين مؤيد ومعارض ومستغل ومحايد، يبقى السؤال: لماذا تم تقديم مبارك للمحاكمة؟.

بالقطع جرى تقديم الرجل للمحاكمة حتى يتبين للكافة ما إذا كان الرجل قد ارتكب ما نسب إليه من اتهامات من عدمه، فإن كان قد ارتكب ما نسب إليه عوقب، وإن لم يكن قد ارتكب ما نسب إليه بُرِّئ، ولم تكن محاكمته لإعدامه أو لسجنه، أو للانسياق وراء متطلبات الرأى العام، أو إرضاءًا للثوار على نحو أو آخر، فليست هناك محاكمة عادلة تكون نتيجتها معروفة على نحو مسبق، وإلا فلا لزوم لها، ويجرى إنفاذ العقوبة على نحو مباشر دون الالتجاء إليها، ونحن قد ارتضينا المحاكمة العادلة، وارتضاءنا للمحاكمة العادلة يستلزم بالضرورة القبول بالحكم والانصياع له أو الطعن عليه بالطرق المقررة قانوناً للطعن على الأحكام، حتى يجرى استنفاد الطعون، ويصبح الحكم نهائيًا وباتًا. ولو تم الفصل فى الأحكام وفق توجهات الناس وميولهم، ونحينا حكم القانون جانبًا، لما حقق ذلك حالة الرضاء العام التى ينشدها الجميع، ولما تحققت دولة القانون التى يتغياها المجتمع من وراء ثورته.

إذن ليس أمامنا سوى قبول حكم القانون، مع أن الأحكام القضائية لا تخضع للقبول أو الرفض، وإنما للإقرار والتنفيذ. إذن فالقضية ليست قضية مع الحكم أو ضده، ولا قضية حب مبارك أو بغضه، وإنما قضية حكم قضائى يحقق عدالة مظنونة، لأن العدالة اليقينية ليست إلا عند المولى عز وجل. ولا ريب أنه لم يكن يروق للمصريين قتل مبارك انتقامًا من فساده كما فعل الشعب الليبى فى العقيد القذافى، لأن ذلك يتنافى مع طبيعة الشعب المصرى من ناحية، وقتله لم يكن ليحل المشكلة، وإنما كان سيعقدها أكثر، ويترك البلاد تنقسم على نفسها قتلًا ونهبًا وتخريبًا، بل أكثر من ذلك إنه الشعب الذى ترك ملكه يخرج من البلاد سالمًا آمنًا، وقد كان فى وسعه الانتقام من العائلة العلوية فى شخصه. وإن كان لنا أن نلوم، فلابد من لوم الإخوان الذين تقاعسوا عن تعديل قانون الغدر الصادر فى خمسينيات القرن الماضى، فى مجلسهم ذى الأغلبية الإخوانية السلفية. والذى كان يتيح محاكمة مبارك عن الفساد السياسى. كما أنهم أبوا عقد محاكمة ثورية له بدعوى الحفاظ على الأموال المهربة التى يتعذر استردادها حال إعمال ذلك النوع من المحاكمات، ولا محل لإمكانية استردادها إلا إذا حوكم أمام القضاء العادى، فلا عادت الأموال ولا جرت المحاكمة الثورية، وضاعت على مصر بضع ملايين فى بدلات السفر والانتقال للجان الإخوانية التى سعت لاسترداد تلك الأموال. وقد تمت محاكمته على تهم لا تتناسب ولا ترقى إلى مقام رئيس الجمهورية، وتأثيرات فساده واستبداده على البلاد والعباد والشجر والدواب. ومن الطريف الذى يدعو إلى الاستغرابـ بل والاستهجانـ قيام بعض من ينتسبون إلى شباب الثورة، بشكل أو بآخر، بالتظاهر ضد الحكم الصادر ببراءة مبارك، اعتراضًا على حكم القضاء من ناحية، واعتراضًا على السلطة التنفيذية- وعلى رأسها الرئيس السيسىى- التى صدر فى ظل وجودها الحكم من ناحية أخرى، وكأن المطلوب من السلطة التنفيذية التدخل فى أحكام القضاء، فهل هذا هو المطلوب الثورى الآن؟.

إذن فلماذا قمنا بالثورة؟ أليس من الأجدر الوقوف فى وجه السلطة التنفيذية حال تدخلها فى أحكام القضاء، حتى نكون ثوريين حقًا؟ وأليس من الأجدر بنا أن نحترم أحكام القضاء إذا كنا بثوريتنا نسعى إلى بناء دولة القانون؟ فريق من الثوار يرى أن براءة مبارك هى إيذان بعودته، وعودة نظامه، إلى صدارة المشهد السياسى مرة أخرى، وذلك يعنى هزيمة لثورة يناير، والقضاء عليها. وهنا نقول: وهل إعدام مبارك كان سيعنى انتصارًا لثورة يناير إن كانت منهزمة؟.

وفى النهاية لابد أن نفيق للمخاطر المحدقة ببلدنا، خاصة أنها فى حاجة إلى الاصطفاف الوطنى، وليس التشرذم والتفتت والفوضى. أما مبارك فقد جرى إعدامه بالفعل، فإنزاله من على كرسى الرئاسة، وإزاحته عن سدة الحكم جبرًا، بفعل الجماهير الثائرة، فيه إعدام معنوى أشد وأنكى من الإعدام المادى، وقد قالها أحد الغربيين عند وفاة الرئيس الراحل عبد الناصر، فقد قال "إن عبد الناصر لم يمت فى سبتمبر 1970، وإنما مات فى يونيه 1967 م، وقياسًا على ذلك، فإن مبارك قد جرى إعدامه عدة مرات، جرى إعدامه وهو يترك الحكم، وجرى إعدامه وهو يدخل السجن، وجرى إعدامه مع كل جلسة من جلسات المحاكمة، إنه: "عزيز.. ذل".








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة