تخطئ الحكومة كثيرًا إذا ظنت أن الغضب العارم الذى اعترى الملايين بعد براءة مبارك وزبانيته سيخفت ويزول بمرور الوقت، وتخطئ أكثر إذا حسبت أن الإنهاك الثورى الذى ألم بالشعب طوال أربع سنوات تقريبًا سيدفع الناس إلى الانصياع إلى ما حدث من تبييض وجوه مبارك والعادلى وأعوانه من جريمة قتل المتظاهرين وتدمير مصر على مدى ثلاثة عقود.
تخطئ كثيرًا.. لماذا؟
لأن الشعوب لا تنسى، بل تختزن الظلم فى جوانحها وترعاه حتى تأتى لحظة الغضب الساطع، فتطيح ولا ترحم، وقد أصيب المصريون بالإحباط الكبير حين تنعّم المخربون بالبراءة، وانكسرت نفوس أهالينا وشعروا بأن تضحيات ثورتين ذهبت هدرًا!
لا أعرف إن كانت الحكومة قد خصصت أحد أجهزتها لمتابعة ما يكتبه الناس على الفيس بوك أم لا؟ ذلك أن هذه الوسيلة الاجتماعية الإلكترونية تحتشد بملايين العبارات «البوستات» والصور التى تعبر بصدق عن مشاعر شعب غدروا به، وكلها تقريبًا تتحدث عن ضياع الأمل، وانهيار الحلم بعد أن كان الناس مترعين بطموحات كبيرة وآمال بلا حدود!
صحيح أن النائب العام قرر الطعن على الحكم ببراءة مبارك، وصحيح أن الحكومة وافقت على مشروع قانون مقدم من السيد رئيس الجمهورية على تعديل قانون الإجراءات الجنائية لحماية المال العام حتى لا تسقط قضايا استغلال النفوذ بالتقادم.. كل هذا صحيح، لكنه لن يكفى لترميم الشرخ الكبير الذى شطر أرواح المصريين، وجعلهم يسيئون الظن بكل ما جرى عقب 30 يونيو العام الماضى.
إذا أضفت إلى ذلك المشهد المحبط الظهور المتزايد لرموز عصر مبارك فى الفضائيات والإعلام، وتابعت كيف بات كيل السباب لثورة يناير المجيدة نغمة بائسة تردد فى الصحف وفوق الشاشات، تيقن لك أن هناك من يخطط لبقاء الأوضاع الظالمة الحالية كما كانت فى زمنى المخلوع والمعزول، وإذا تأملت المشاورات والمناورات واللقاءات التى تجرى حول انتخابات مجلس الشعب المزمع إجراؤها فى مارس كما قيل.. إذا تأملت هذه الأجواء فستصاب باليأس لأن نجوم الانتخابات إما من رجال الحزب الوطنى المنكوب، وإما من عواجيز السياسيين، وكلهم كانوا فى السلطة بشكل أو آخر، وكلهم أخفقوا فى تحسين أحوال الناس!
هل مات الأمل؟ هل أصبح مقدورًا علينا نحن المصريين أن نكابد الضيم والإجحاف من قبل كل سلطة؟ هل ستفهم الحكومة أن الشعب- خاصة الشباب- لن يحتمل وأد أحلامه مرة أخرى؟ هل سيدرك من بيده الأمر أن الحاجة غدت ماسة جدًا لقطع أية صلة بنظامى مبارك ومرسى؟ مرة أخرى.. هل مات الأمل؟
حتى هذه اللحظة هناك فرصة لضبط الأوضاع المختلة، والعمل بجدية وشفافية على استعادة التوافق الوطنى ولم شمل الذين ثاروا فى يناير ويونيو ضد بطش مبارك، وضد الإخوان وأنصارهم المتاجرين بالدين.. أجل.. هناك فرصة، فهل ستقتنصها الحكومة أم تترك الغضب يغلى فى الصدور؟