أعرف أن المهمة الأساسية لأى وزير هى أن يسعى ليل نهار من أجل إيجاد حلول للقطاع الذى يتولاه، وأن يصبح من هم فى نطاق مسؤوليته فى أفضل حال.
ولكن أن يكون هذا الوزير سببا فى تعاسة من يتعاملون مع وزارته بحكم طبيعة عملهم، أو أن يكون هو نفسه مصدرا لـ«شقاء» الآخرين، فهذا شىء لا يجب السكوت عليه، وما ينبغى أن يمر أمامنا هكذا مرور الكرام.
وحينما أقول ذلك، فإننى أعنى فى قولى تلك الحالة الى تسببت فيها ناهد العشرى، وزيرة القوى العاملة، فمنذ توليها هذا المنصب، وربما من قبل أن تكون وزيرة لهذا القطاع المهم، وهى تتعمد «كسر خاطر» العمال، بل «تضييق الخناق» عليهم، ربما لأسباب تتعلق بتوجهاتها وانتماءاتها السياسية، فتارة يتهمها البعض بانتمائها للنظام الأسبق وتارة أخرى يخرج علينا من يتهمها بالانتماء لتوجهات وسياسات النظام السابق.
ومهما كانت أسباب ودوافع تصرفات ناهد العشرى وزيرة القوى العاملة، فإننا أمام حالة خاصة جدا تتمثل فيما يمكن أن نطلق عليه «الانفصال» عن الواقع، فكيف تكون وزيرة مهمتها إسعاد القوى العاملة فى الدولة تصبح بقدرة قادر هى أحد أهم أسباب أزمات هذا القطاع المهم الذى يمثل العمود الفقرى فى الدولة، فهل يمكن أن تقوم لأى دولة قائمة بدون أن يكون لديها قوى عاملة قادرة على تحمل المسؤوليات الجسام، وقادرة على استنهاض الهمم من أجل تحقيق طفرة تنموية فى شتى مجالات الحياة.
ما يعنينى هنا أن قطاع القوى العاملة يضج بالمشكلات والأزمات الكفيلة بوأد أى خطوة نحو التقدم فى المجتمع، وإذا دققنا النظر فى تلك الأزمات نجدها ناتجة عن أكثر من سبب، فمن بين هذه الأسباب تلك القوانين واللوائح التى عفا عليها الزمن، والتى يتم من خلالها التعامل مع العمال حتى الآن، كما أن هناك أسبابا أخرى تقف وراء ما يجرى داخل قطاع القوى العاملة فى الدولة، وهو أن سياسات الوزيرة ناهد العشرى تسير دوما فى الاتجاه المعاكس لمطالب العمال، حيث إنها تتعمد الإبحار ضد التيار، وهنا يجب أن نعى جيدا أن ما تقوم به ناهد العشرى ليس جديدا عليها، فإذا عدنا إلى الوراء قليلا، وبالتحديد وقت أن كانت هى المسؤولة عن المفاوضة الجماعية قبل ثورة 25 يناير، وشهد رصيف مجلس الشعب وقتها اعتصاما لأكثر من 7 شركات، واستمر اعتصام العمال لأكثر من 40 يوما على الرصيف، وهو ما اعتبره العمال فشلا لـ«العشرى».. وقتها قالت العشرى جملتها الشهيرة «اخبطوا دماغكم فى الحيط» مخاطبة العمال أثناء مطالبتهم بحقوقهم.. فأصبحت بالدليل القاطع معادية للعمال، وظل تاريخها فى قطاع المفاوضة الجماعية بالوزارة يؤكد عداءها للطبقة العاملة، حيث إنها لم تدخل فى أى مفاوضة أثمرت عن نجاح أو تلبية حقوق العمال.
وعلى الرغم من هذا التاريخ غير «المشرف» فى التفاوض لصالح العمال، وعلى الرغم من أنها لم تحقق شيئا فى هذا المجال، وأن ذلك كفيل بأن يعصف بأى مسؤول مهما كانت قوته أمام هدير أصوات العمال المطالبين بحقوقهم المشروعة والعادلة فى حياة اجتماعية كريمة، فإن الوزير الإخوانى خالد الأزهرى قرر وبشكل لافت للنظر أن يعتمد عليها ويضع فيها ثقته بالكامل أثناء توليه منصب وزير القوى العاملة فى عهد المعزول محمد مرسى، ليبدأ بعد ذلك ترقيتها إلى وكيل أول وزارة بقطاع الهجرة، وهو آخر منصب حصلت عليه قبل أن تكون وزيرة للقوى العاملة، حيث ظلت تعمل فى المنصب مع الوزير كمال أبو عيطة.
وبقراءة متأنية لمشوار ناهد العشرى فى هذا القطاع الحيوى المهم نجد أنها استطاعت أن تجمع بين النقيضين، فقد منحها الوزير الإخوانى بعد ذلك منصبًا بحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، بل إن ثقة الأزهرى بها دفعت الرئيس المعزول محمد مرسى لمنحها نوط الامتياز من الدرجة الأولى، فى عيد العمال 2013.. وهى نفسها ناهد العشرى التى كانت تمثل الذراع اليمنى لآخر وزيرة للقوى العاملة فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.. وكأنها مصابة بما يمكن أن نطلق عليه «انفصام فى الشخصية» فكيف يستطيع شخص أن يجمع بين نظامين مختلفين تمام الاختلاف ويحتفظ لنفسه بنفس المكانة المرموقة ويحقق نفس المكتسبات.. أعتقد أن ذلك الأمر يتطلب مهارات خاصة وقدرات لا يمتلكها إلا من يتمتعون بالقدرة على تغيير اتجاه «البوصلة» نحو الاتجاه السائد.
مشاكل العمال لا تنتهى، فعلى سبيل المثال عمال الغزل والنسيج يعانون من إدارة سيئة منذ عهد الرئيس الأسبق مبارك وحتى اﻵن، فمعظم الأقسام التى يعملون بها متوقفة لعدم وجود قطع غيار أو مواد خام، بدل طبيعة العمل لا يتفق مع طبيعة عملهم شديدة الصعوبة، يتم طردهم من مساكن العمال بمجرد خروجهم على المعاش ولا يتم توفير البديل.
والمؤسف حقا فى هذا الشأن أن المفاوضة الجماعية تتم بشكل روتينى، فيفاجأ العمال أن القوى العاملة تقف فى صف الحكومة، ويزيد على المشاكل فى القطاع الخاص عدم وجود تأمين صحى أو تأمينات اجتماعية لأكثر من %80 من العمال، عدم الاعتراف بنقاباتهم المستقلة التى أنشأوها بأنفسهم فى نفس الوقت الذى يرفض اتحاد العمال الرسمى تكوين نقابات لهم، ولو فكروا فى عمل شىء يوحدهم فى نقابات يقف الاتحاد الرسمى و القوى العاملة فى صف صاحب العمل إذا قرر فصل العمال التى تطالب بحقها.. على الرغم من أن الدستور الجديد يحظر الفصل التعسفى للعاملين.
وعلى الرغم من مرور كل هذا الوقت منذ تولى ناهد العشرى وزارة القوى العاملة، فإنها لم تحقق طفرة للعمال الذين كانوا وما يزالون يتطلعون نحو خطوات أكثر إيجابية من جانب الدولة، فالملفات العمالية ما تزال مفتوحة وفى حاجة إلى حسم، ومنها على سبيل المثال تأخر إصدار قانون الحريات النقابية، وتعميم الحد الأدنى على العمال جميعا على قطاع الأعمال العام و القطاع الخاص، وعودة الشركات الحاصلة على أحكام نهائية للعودة للقطاع العام وتشغيل العمال، وفتح ملف المصانع المغلقة وتسهيل تشغيلها بنظام التشغيل الذاتى وبعض التسهيلات، وعودة العمال المفصولين، حيث كان ينبغى على الوزارة أن تقوم بتقسيم العمال المفصولين إلى ثلاث مجموعات «قطاع عام - قطاع خاص - استثمارى» بمعنى أن المفصولين بالقطاع العام سيتم عودتهم للعمل بقرار إدارى بعودتهم للعمل صادر من مجلس الوزراء، وإصدار مرسوم بقانون بمنع فصل أى عامل دون حكم محكمة نهائى.. وفيما يخص العمال المفصولين بالقطاع الخاص والاستثمارى فإن عودتهم للعمل تستلزم مفاوضة جماعية بالوزارة بحضور العمال المفصولين وممثلى الشركة والتفاوض حول عودتهم، وفى حالة التعنت تقوم الوزارة بتقديم بلاغ للنائب العام ضد إدارة الشركة، وهو ما لم يحدث للأسف الشديد، فالوزيرة لا تدرى شيئا عن معاناة العمال.
خلاصة القول أن الوزيرة ناهد العشرى وهى المسؤولة الأولى عن توفير حقوق العمال فى الدولة بدلا من أن تحتوى العمال نجدها وكأنها تعيش فى وادٍ، بينما يعيش هؤلاء العمال فى وادٍ آخر.. وهو ما يجعل صيحات العمال المطالبين بحقوقهم تذهب هباء وكأنهم أشبه بمن يؤذن فى مالطا، حيث لا يسمعهم أحدا هذا فى رأيى شىء يجب عدم السكوت عليه، حيث ينذر بخطر شديد فى حالة استمرار هذا الوضع «المقلوب» وفى حالة استمرار الوزيرة فى تعاملها مع قضايا العمال بهذه السلبية المفرطة.