لا أعرف الفنان المتميز خالد الصاوى معرفة مباشرة، الذى يقاوم حاليا المرض بشجاعة معهودة، لكنه حاضر فى ذاكرتى على الدوام ليس بوصفه فنانا محترما موهوبا فقط، وإنما لموقف جمعنا وطلاب آخرين فى حديقة جامعة القاهرة عام 1984.
كنا عددا من الطلاب اليساريين والناصريين من مختلف كليات الجامعة، نجتمع فى حديقة الجامعة لمناقشة كيفية تصعيد المظاهرات التى بدأت فى الجامعة، وتواصلت لعدة أيام بسبب عدوان إسرائيلى على الفلسطينيين، وتصاعد غضب الطلاب ليمتد إلى أرجاء الجامعة، ولم يقتصر الغضب على ما يحدث فى الأرض المحتلة، وإنما امتد الأمر إلى اللائحة الطلابية المعمول بها، والتى تحرم الطلاب من الحقوق السياسية، وحق الترشح للاتحادات الطلابية دون تدخل الأمن، وكانت جمعية الدراسات العربية فى كلية الحقوق كيانا يجمع الطلاب الناصريين، وكان خالد الصاوى من طلاب الكلية وعضو فى الجمعية، بالإضافة إلى نادى الفكر الناصرى فى الجامعة، ونادى الفكر الاشتراكى، وكانت هذه الأشكال جميعها فى مواجهة الأمن المسيطر على الجامعة، ومعه جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية والجهاد، وهؤلاء جميعا كانوا يتحركون بحرية تامة، وينظمون معارض الكتب والمجلات، ويستخدمون الجنازير فى مواجهة معارضيهم، وتلك قصة أخرى تحتاج إلى تناول وتأريخ حقيقى.
فى اجتماعنا ووسط المناقشات الساخنة، كان يشكو من الصداع، وقال إنه يطارده دائما، تشعب حديثه بحماس بالغ إلى قضايا عدة، تمنى لو أن عالما يتوصل إلى اختراع دواء يقضى على الصداع، أضاف بصوت جهورى :«الشخص الذى يسخر جهده من أجل اختراع دواء يعالج الأنفلونزا يقدم للإنسانية خدمة أعظم مما يقدم أى سياسى»، لم يقل ذلك من باب محنته وقتها مع الصداع، وإنما قاله فى سياق طرح شامل عما تعانيه مصر، وتعانيه الإنسانية، وعما يجب أن تضيفه القوى السياسية إلى جدول اهتمامها من قضايا.
تخرجنا فى الجامعة، وشق «خالد الصاوى» طريقه الفنى، وكلما شاهدته على الشاشة أستدعى على الفور تلك المناقشة بكل أجوائها وما دار فيها، وأتذكر ما قاله هو، ربما لأنها عبرت عن وعى مبكر أكبر من وعى الحالة الطلابية، وربما لأنها عبرت عن انشغال تام بما هو إنسانى يخدم جموع البشر بكل تصنيفاتهم، ولا يتوقف الأمر فى ذلك عند يسار أو يمين أو أى تصنيف فكرى وسياسى آخر.
فى هذا السياق الإنسانى العام، والسياسى الخاص، الذى اعتنقه «خالد الصاوى» من أجل أن تكون مصر وطنا يسوده العدل والديمقراطية والاستقلال الوطنى، مضى فناننا المحترم فى طريقه الفنى الذى لم يفصله عن هموم بلده، ولأنه ابن بار لفكرته وثقافته التى تبحث عن الحق والخير والجمال والعدل والإنسان، واصل نضاله مع فنه، وتجسد ذلك فى مواقف عديدة له، وحين حانت لحظة الثورة فى 25 يناير كان من أوائل صفوفها، يهتف، ويحشد، ويحمل اليافطات، وذلك فى مشهد يدل على أنها لحظته التى ناضل من أجلها فى مناقشات طلاب جامعة القاهرة، وحديثه فيها عن الأمل فى اختراع يشفى الإنسانية من مرض الصداع والإنفلونزا، وها هو الآن يقاوم المرض بشجاعة، وبالتأكيد يتمنى أن يأتى اليوم الذى يتوصل فيه العلم إلى دواء يشفى كل مريض مصاب بنفس دائه، فادعوا له بالشفاء.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
كانت ضربة معلم
سلامة كل الشعب المصرى من الأمراض المستوطنة بسبب الفساد المستمر
رصيف نمرة 5
عدد الردود 0
بواسطة:
مطلوب محاكمة حمدين
ماذا يريد حمدين صباحى من حملة مليون توقيع ؟