هل سخرت من الأمل واستهزأت بالآملين وامتهنت العاملين اليوم؟ هل لعنت الظروف واحتقرت البلاد وازدريت العباد اليوم؟ هل نشرت اليأس ووزعت الإحباط على من حولك اليوم؟ هل ردّدت كثيرا فكرة الهجرة ودعوت الناس لها عبر مواقع التواصل بعد وصلة تيئيس من البلد ومن أى فائدة ترتجى منها؟! أنشطة مريحة للغاية هى بلا شك.. نعم.. هذه حقيقة يعلمها الجميع.. اليأس شعور مريح لأهله ولو مؤقتا، إحساس بالاسترخاء سيعم روحك كلما سخرت من فكرة الأمل وممن يحاولون بثها وشعور باللامبالاة سيخيم عليك كلما رددت عبارات الإحباط والندم على كونك فكرت يوما فى التغيير وحاولت أن تكون جزءاً من الحل، ستجد تسكينا مؤقتا كلما سببت البلاد ولعنت العباد وستحصل على خدر لذيذ كلما نشرت ثقافة الهجرة والهروب من مواجهة الواقع وقررت إقناع نفسك إن «مافيش فايدة» والبلد دى «ضايعة ضايعة» ومن الحماقة أن تتعب نفسك فيها ولأجل إصلاحها. بعد فترة من راحة اليأس وخدر الإحباط ولذة سب ولعن الظروف والأشخاص سيملأ نفسك شعور بالاستعلاء والعظمة والتفرد كلما احتقرت هذا المكان الذى لم يفهمك، وأولئك الحمقى الذين لم يقدروا مواهبك، ولم يستمتعوا بنعمة وجودك بينهم.. ثم ماذا بعد؟ ماذا تريد بكل ذلك؟! واقعى أنت ما شاء الله عليك ووصلت لما لم يصل له أحد، برضه وماذا بعد؟ ما الذى استفدته بقرارات اليأس والإحباط واحتقار الجميع؟ تريد أن ترحل؟! حقك ولا أحد يملك منعك إن توفرت لك الفرصة التى تراها مناسبة، لكن هل يُفترض أن يتخذ الجميع نفس القرار؟ وهل الحل الذى تطرحه من خلال صراخك المستمر وعويلك المتناثر على مواقع التواصل ويأسك وتيئيسك؛ هو أن نرحل جميعا و«نهج» من البلد وكلنا نمشى ونُقلع عن محاولات الإصلاح والتغيير للأفضل؟! أعتقد أنك أعقل من أن تقول ذلك.. لن يرحل الجميع ولا يُتصور أن ييأس الجميع أليس كذلك؟ لماذا إذًا قررت أن تنقل يأسك لغيرك وتعمم قرارك بالرحيل لتشارك فيه الجميع وأنت تعلم أن هذا غير منطقى ولا واقعى؟ ولو افترضنا أنك تخاطب من يشبهك بهذا الخطاب فالأصل اعتقاد المرء أن من يشبهونه فكرا أو انتماء هم الأقرب للصواب وإلا ما انتمى إليهم ولا تشبه بهم.. فهل تريد أن تُحبط وتُيئس أولئك الذين تراهم أفضل وأقرب للحق أم تريد أن توقف أى محاولة إصلاح هم فى اعتقادك الأقدر عليها؟
إن لم يكن ذلك فمن تخاطب إذًا وما مبتغاك بخطاب التيئيس وقطع الأمل؟ أم أنك فى الحقيقة تكلم نفسك وتحاول إقناعها بخيار الراحة والحلول السهلة وتعلى صوتك بهذا لأنك ببساطة لا تريد أن تشعر أنك وحدك.. وماذا لو أن هناك من قرروا ألا يقطعوا الأمل ورفضوا أن ييأسوا من روح الله وفضلوا المكث فيها ومكابدة الصعاب لإصلاحها، ماذا لو أنهم رفضوا الهروب مثلك، أو حتى لم يقدورا عليه فقرروا البقاء واختاروا شرف المحاولة وأداء ما عليهم والإعذار لربهم، مالك ومالهم؟ عاوز منهم إيه يا أخى؟ لماذا تُيئسهم وتكسر مجاديفهم؟
سيادتك مصمم تتناسى أن الأمل فى الله لا ينقطع وأن اليأس ليس مجرد خيانة كما يقولون بل «إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون» مصمم تتناسى كل هذا وتكمل فى قرارك المريح وخمولك اللذيذ.. براحتك، لكن ما رأيك أن تدع فكرة وجوب كون الكل مثلك؟ ما رأيك أن تترك من ليسوا مثلك فى حالهم وتكف عن تثبيط هممهم وتوهين عزائمهم وزعزعة ثقتهم، ما رأيك أن تحتفظ بإحباطك لنفسك وتدخر يأسك المريح لعلك تحتاجه يوما، ما رأيك أن تلحق بطائرتك أو باخرتك أو قطارك وتترك من قرروا المحاولة ليحاولوا ويجتهدوا ويكفيهم شرف المحاولة؟ وما أدراك.. مش جايز يا أخى.. مش جايز يقدروا يغيروا ويصلحوا؟ وحينئذ لعلك تتمنى أن تكون معهم أو على الأقل تكون ممن نشر الأمل بينهم وليس ممن سخروا منه.