السؤال مهين للملايين، ومع ذلك تمكنت أحكام البراءة والإعلام المشبوه والجهل السياسى من طرحه بقوة، لذا سنحاول الإجابة عليه فى السطور التالية مع الأخذ فى الاعتبار أن مفهوم الثورة مشوش عند كثيرين منا بكل أسف.
الثورة.. باختصار هى فعل اجتماعى عنيف يؤدى إلى تحطيم البنى السياسية والاقتصادية السائدة، من أجل تأسيس بنى جديدة أكثر عدلا وحرية من تلك التى تم تحطيمها. هذا ما حدث فى الثورات الشهيرة الناجحة فى العصر الحديث، مثل الثورة الفرنسية والروسية والصينية والإيرانية، فقد خرج الناس بالآلاف لإسقاط النظم الحاكمة فى هذه الدول، وقاموا بتشييد مؤسسات ثورية جديدة تلبى أشواق الناس للعدل والحرية، لكن مع ملاحظة أن هذه الثورات تم التحضير لها جيدًا على مدى سنوات وعقود طويلة، وتمكنت أحزاب سياسية - فى السر والعلن - من التغلغل وسط الجماهير والطبقات المقهورة لنشر الوعى الثورى بينها، فلما أزفت الساعة كانت الملايين مهيأة للثورة المنظمة ذات الأهداف السياسية والاقتصادية المحددة، وكان هناك رموز يقودون هذه الثورات آمنوا بحقوق الجماهير فاقتنعت بها الحشود ورفعتها فوق الأعناق.
ما حدث فى يناير 2011 يمكن تسميته ثورة غير مكتملة، ثورة تمكنت فقط من إطاحة رأس النظام، وليس النظام كله.. ثورة غير ناضجة لأن الناس لم تكن تعرف أن الثورة علم يجب دراسته جيدًا والتحضير له بمنطق جاد، وليست مجرد تجميع لأكبر حشد غاضب على مر العصور فقط، فالغضب وحده لا يحقق النجاح لأية ثورة. وقد ذكر لنا التاريخ عددًا من الثورات الفاشلة لأن الشعوب اكتفت بالغضب ولم «تذاكر» علوم الثورة جيدًا ولم تتهيأ لها، ومن أشهر الثورات الفاشلة «كوميونة باريس 1871/ ثورة 1905 فى روسيا/ ثورة 1925 فى الصين/ ثورة 1919 وانتفاضة 18 و 19 يناير 1977 بمصر». ليتنا ندرس بالتفصيل يوميات هذه الثورات الفاشلة لنتعلم من أخطائنا.
أما ما حدث فى يناير، فيمكن فهمه على النحو التالى: وهو أن الغضب استحوذ على مشاعر ملايين المصريين، فخرجوا بكثافة، لكنهم غير منظمين ولا يملكون أهدافا محددة لكيفية استلام السلطة.. غداً نواصل.