الحركة الإسلامية.. رؤية مستقبلية، هذا عنوان لكتاب حرره وقدم له عبدالله فهد النفيسى الذى كان عضوا فى التنظيم الدولى للإخوان المسلمين، ومن قبل بالطبع عضوا فى جماعة الإخوان بالكويت، ولكنه ترك كل ذلك ليتمتع باستقلاله بعيدا عن التنظيمات التى هى مقبرة الأفكار وسجن للإبداع المستقل.
الصدفة فقط هى التى قادت ذلك الكتاب إلى، فبينما كنت أفكر فيما أكتب نظرت عن يمينى فوجدت الكتاب، فقررت الكتابة عنه لأنى مشغول بالطبع بالموضوع، فما جعل الكتاب قريبا منى جدا لهذا الحد هو اشتغالى بموضوعه، وهو التفكير حول مستقبل الحالة الإسلامية فى مصر، ونقد ما أقدمت عليه من أفعال خلال عام أمضته فى حكم البلاد ولم تنجز شيئا ودخلت فى مواجهة مع المجتمع بعد أن كان صدامها فقط مع الأنظمة السياسية، وإعادة النظر مليا فيما أقدمت عليه من أفعال خلال ما يقرب من عام ونصف بعد عزل الرئيس مرسى عن سدة الحكم.
العنوان الفرعى للكتاب «أوراق فى النقد الذاتى»، وعلى غلاف الكتاب نجد أسماء لافتة للانتباه مثل توفيق الشاوى - رحمه الله - وحسن الترابى وعبدالله أبوعزة وفتحى عثمان وفريد عبدالخالق - رحمه الله - وعبدالله النفيسى نفسه ومحمد عمارة ومحمود أبوالسعود وغيرهم من الأسماء التى لها صلة مباشرة بجماعة الإخوان المسلمين أو هى قريبة منهم أو صديقة لهم.
الإهداء الذى أهداه محرر الكتاب ومقدمه عبدالله النفيسى مهم وسأنقله بنصه، يقول الرجل: «إلى الذين نحبهم ولكن نختلف معهم نقول: إن الحركة التى لا تريد أن تراجع أو تدرك أخطاء ماضيها من الممكن أن يتحول حاضرها إلى كومة من الأخطاء ومستقبلها إلى كارثة، الحل يكمن فى نقد الماضى ومراجعته وتحديد أخطائه من أجل تلافيها فى الحاضر وتوظيف ذلك معرفيا وموضوعيا فى المستقبل»، ووقع بالأحرف الأولى من اسمه.
هذا الكتاب صدر عام 1989 فى نهاية الثمانينيات، وهو الوقت الذى كان فيه الإخوان المسلمون فى أوج قوتهم بعد تحالفهم مع نظام مبارك الذى كانوا قد أيدوه فى الجولة الرئاسية له، وتصالحوا مع نظامه وقدموا أنفسهم إليه فى براجماتية مريعة باعتبارهم من يمثلون الوجه المعتدل للإسلام السياسى بديلا عن جماعات العنف الجهادية فى ذلك الوقت التى كانت قد غرزت فى عنف أفغانستان وبدت قوة معسكرة خطرة على البلدان التى قدمت إليها، إذ لم يكن بعد قد حسمت تلك الجماعات خيار العدو البعيد بعد. لم تقدم جماعة الإخوان المسلمين أى أطروحات نقدية حقيقية لخياراتها السياسية والفكرية والعقدية منذ اقتحامها عالم السياسة عام 1938، وما بدا أنه عمل نقدى أو مراجع أو حتى تأريخى للجماعة كانت تقول إنها محاولات ذاتية تعبر عن كتابها دون أن تكون تعبيرا عن موقف الجماعة الرسمى كما هو الحال بالنسبة لكتاب محمود عبدالحليم «الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ»، الذى أرخ لتاريخ الجماعة فى ثلاثة أجزاء وقف بها عند مطلع السبعينيات، وحين قدم له مصطفى مشهور المرشد الخامس للجماعة أشار فى المقدمة إلى أنه تأريخ لا يمثل الجماعة.
عبدالله فهد النفيسى أحد أهم العقول العربية، فهو أستاذ العلوم السياسية، ولكنه غادر الجماعة وما كتبه فى إهداء الكتاب كأنه كان يقرأ مستقبلها رغم ما أشرت إليه من أن الجماعة كانت فى أوج قوتها، يمكن للجماعة التى تتحول إلى مقدس لا يمس وكأنها أقرب للمفهوم الكاثوليكى الذى يقوم على واسطة مقدسة بين الإنسان وبين الله، أن تواجه الكارثة فى المستقبل كما أشار الرجل، وليس هناك كارثة أكبر من التى تواجهها الجماعة فى محنتها الأخطر اليوم دون نقد أو نظر أو مراجعة.. يبدو لى القوم وهم ماضون يفتدون الجماعة بالروح والنفس أن الجماعة تتدثر بمعنى مهدوى لم نكن ندركه فيها، يجعل الجميع يموتون لأجلها دون تفكير بمصيرهم أو مصير تلك الجماعة.