«معقول كده، الصورة محتاجة ظبط شوية، ماشى، تمام، تمام يا هندسة»، هكذا رأيت الموسيقار الراحل عمار الشريعى أول مرة فى منزله بالمهندسين عام 1996، يتصل بـ«فنى» يجرى عملية ضبط طبق الإرسال على جهاز الريسيفير وجهاز التليفزيون، كان «الريموت» بين يديه يقلب به قنوات التليفزيون، ويبلغ «الفنى» أولا بأول.
التزمت الصمت متأملا ومندهشا، يقطعه بالترحيب والاعتذار عن انشغاله عنى، يواصل مهمته باقتدار: «خلاص هانت، كلها دقايق ونقعد مع بعض زى ما أنت عايز»، كان موعدى معه بعد فترة اتصالات طالت، لكنها أسفرت فى منتصفها على ما قاله هو: «خلاص إحنا بقينا أصدقاء».
يا فنان أعد كتابا عن «علاقة جمال عبدالناصر وأم كلثوم»، وأحتاج إلى شهادتك فى التحليل الموسيقى لطبيعة الأغنية الكلثومية مع «عبدالناصر»، كان هذا مطلبى فى أول اتصال، رد: «حلوة قوى الفكرة، ومين معاك غيرى»، أطلعته على خطتى، اندمج معها ومعى، قال: «طلعت واد تقيل يا سعيد، لأ كمان أنت بتغرينى بأحب اتنين لقلبى، الزعيم والست».
تحول الكتاب فيما بعد إلى «أم كلثوم وحكام مصر»، تواصلت الاتصالات: «إيه رأيك نديها كمان يومين»، أرد: «المرة دى أكيد»، يرد: «أكيد، خلى بالك الموضوع اللى هنتكلم فيه، مش مجرد أن هنضرب كلمتين وخلاص، لأ، دى حاجة تقيلة هتتحط فى كتاب، بس بقولك إيه...»، تتواصل المكالمة فأعلق فى نهايتها: «يا خسارة، كان مفروض أسجل كل اللى قلته»، يرد: «ولا يهمك هنقول أحسن».
بعد نحو شهرين التقينا، لم تكن مادة كتابى هى بطل اللقاء وفقط، كان تعامل «عمار» مع «الريموت» الأكثر ثراء عندى، حرضتنى لمعرفة سر «شفرة التحدى» عند الإنسان، هل يرى الإنسان بقلبه أكثر مما يرى بعينه؟ أسأل نفسى، وأجيب: «أنا هنا أرى الإجابة فعلا»، انتهى «عمار» من جولته مع «فنى تركيب الريسيفر والتليفزيون، قلت: «فيه قضية دلوقتى شغلانى»، لم أستكمل، كان أكثر إبصارا منى: «طبعا بيشغلك هو أنا عملت إيه مع الراجل بتاع الدش، وبتقول هو أنا شايف حاجة.. هأ، هأ، هأ»، أرد: «العفو يا أستاذ»، يرد: «فكها، مش قلت لك إحنا بقينا أصحاب، يعنى ممكن أقرا أفكارك، ومن عينيك أقدر أقول لك أسرارك» قالها مقلدا صوت محمد عبد الوهاب، لاحقته: «حكيم روحانى حضرتك»، ضحكنا، كان مزاجه رائقا، فحكى:
«تعرف، كنت أتمنى أكون مهندس كهربا؟»، أرد: «معقولة ؟»: يرد، وأنا صغير كان أبويا يدخل على يلقينى ماسك الراديو الكبير وأنا فكه، حتة، حتة، أول مرة سألنى: «بتعمل إيه يا عمار؟»، قلت: «بدور على شادية»، «كنت مفكر إن شادية اللى بسمعها من الراديو قاعدة فيه»، أبويا ضحك وسألنى: «لقيتها ولا لسه؟»، هو مكنش يعرف إن الحكاية دى مش أول مرة، أنا كنت بفك الراديو وأركبه تانى، ومن سعتها فكرت فى الهندسة».
وغدا يتبع..