قام الشعب المصرى كله بهبة يناير العظيمة رفضا لنظام فاشل مستبد لا يرى غير ذاته، وكان يريد أن يُستنسخ مرة أخرى بالتوريث، ولكن لغياب التنظيم والأجندة الثورية تحولت الهبة إلى روح ثورة هائمة تبحث عن جسد تتقمصه، وفشل الجميع فى إيجاد هذا الجسد نتيجة للتصارع الممقوت على كعكة لم تنضج بعد، فما كان إلا أن قامت جماعة الإخوان باختطاف الهبة، وبدلاً من أن تهيئ للثورة جسدا تتقمصه حولتها إلى ثورة مضادة. فما كان من الشعب المصرى العظيم غير القيام بهبة أكثر شعبية وأنضج وعيا فى يونيو 2013 لاسترداد روح الثورة وللحفاظ على الهوية المصرية التى حاولوا إسقاطها. وهنا وجدنا جماعة الإخوان تتشدق بما يسمى بالشرعية وتتمسك بأهداب الديمقراطية التى لا تعرفها ولا تؤمن بها، وأخذت تدعى التمسك بيناير ليس بهدف استعادة روح الثورة، ولكن بهدف أوحد هو عودة الجماعة لاختطاف الوطن مرة أخرى تحت ادعاء الحفاظ على ثورة يناير. وفى ذات الوقت وجدنا فلول الحزب الوطنى الذين يتصورون ويتخيلون إمكانية عودة نظامهم الموبوء مرة أخرى، فأخذوا يتشدقون ويتمسكون بأهداب يونيو، وكأنهم هم الثوار الذين لا يشق لهم غبار، وهم من استردوا مصر من أيدى الإخوان. إذن فنحن هنا أمام مشهد واضح وصورة جلية، جماعة تريد العودة باسم الشرعية والتمسح فى يناير، فتعتبر يونيو انقلابا، وفلول يريدون إعادة الساعة للوراء فيعتبرون يناير مؤامرة، وهما هنا فى مواجهة الشعب المصرى الصابر الذى صنع وحده وليس غيره يناير ويونيو كموجات ثورية متكاملة لتحقيق الثورة على أرض الواقع دون تباين وبغير تناقض فلا يناير مؤامرة رغم محاولة استغلالها داخليا وخارجيا من قوى لا تريد للوطن السلامة. ولا يونيو انقلابا رغم ادعاء المدعين بذلك، فهى معركة وهمية وخلاف مختلق وحرث فى الماء فهم لا يسعون لغير تحقيق مصالحهم الذاتية وأهدافهم الحزبية على حساب البلاد والعباد «وكل يغنى على ليلاه».
أما الجانب الأهم فى هذا المشهد هو ما يسمى بالشباب الثورى الذى تم توجيه التهم إليه والإساءة إلى دورة من خلال الإساءة ليناير من إعلام وقنوات الفلول الساعين للحفاظ على مصالحهم المالية التى كانت مع مبارك والذين يستعدون الآن بكل بجاحة للانتقال بها إلى النظام الحالى تحت زعم تأييده. مشكلة هؤلاء الشباب دائما ما يظهرون كوكلاء وحيدين للثورة، وكأنهم أوصياء على الشعب مما جعلهم فى عزلة حقيقية عن الجماهير، فلا نجحوا فى تكوين أحزاب شبابية حقيقية ولا بنوا لهم قواعد سياسية جماهيرية، فهم يطلبون ما لهم قبل أن يدفعوا ما عليهم. فى الوقت الذى يرفعون فيه شعارات ويرددون مطالب لا خلاف حولها أو عليها ولكن هو الوقت المناسب. والآن فنحن فى ظل نظام دستورى أقر الدستور وانتخب الرئيس ويستعد للبرلمان مما جعلنا فى حالة إصلاحية لابد أن نتكاتف جميعا حتى تحقق أهداف الثورة فالحفاظ على يناير ويونيو لن يكون بإصدار تشريع يجرم الإساءة لهما، فهذا سيصب مزيدا من الزيت على نار الاستقطاب السياسى الذى نعيشه الآن، وعلى كل المستويات بما يعنى صعوبة التطبيق، بما يعمق اهتزاز صورة الدولة، كما أن حماية الثورات وتحقيقها لن يكون بغير التفاف جماهيرى حقيقى، وهذا لا يتم بغير عدالة اجتماعية وعدل ومساواة وحرية تعبير وحفظ كرامة الإنسان وحمايته من الاستبداد والفساد المسيطر الذى ما زال ينخر فى عظام الوطن، الثورة تتحقق بإرادة شعب آمن بها لأنه هو الذى صنعها، وهو الذى لابد أن يجنى ثمارها.