محمد الدسوقى رشدى

شادية ومفهوم القرار

الإثنين، 10 فبراير 2014 06:45 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لم يسلم أحد فى مصر ولا فى الوطن العربى من ملامح هذه السيدة، فمن لم يسقط هائما فى رموشها، سقط مغشيا عليه حينما سمع صوتها، ومن لم تأسره نظرات عينيها، تسجنه ابتسامتها، ومن لم يذب فى جمال خطوتها، يموت فى التراب اللى بتمشى عليه، ليس أمامك سوى «شادية» لأنها المرأة الوحيدة التى جمعت بين سابق الأشياء دون ضجيج، أو إعلانات متلفزة، هى الوحيدة التى غنت بصدق فخرج صوتها ساحرا يزرع الإيمان فى قلوب الناس بما تغنيه، هى الوحيدة التى آمنت بما قدمت، فوضعها الناس على قمة تلال قلوبهم، ثم خلفت وراءها عالما كبيرا من الشهرة، وزرعت فى قلبها سكينة لم تهتز أمام كل إغراءات المال والعودة.

دعك من فكرة أن شادية كانت واحدة من القلائل الذين أعادوا عصر الشمولية بما قدمته من روائع للسينما والمسرح والتليفزيون والغناء، لأنها أسطورة شاركت السماء فى صياغة تفاصيلها حينما حرمتها من نعمة الأمومة، فجعلت حنانها الذى يفيض من ملامحها وصوتها هبة للناس جميعا، واستكملت صناعتها حينما ثبتت قلبها على قرار العزلة والاعتزال، ضاربة فى ذلك مثلا رائعا فى الزهد، وحينما تنظر إلى السيدات الفنانات المحجبات الآن، وتشاهد تنطيطهن من فضائية إلى أخرى وحجابهن الذى تطل من أسفله قصة شعر مبتذلة وملونة، ومحاولة تقديم أنفسهن كداعيات، سترفع يدك وتدعو لشادية بطول العمر، وثبات القلب.

لم تكن أغانى شادية بتنوعها مجرد أغنيات للرقص وهز الوسط، فلقد تحولت أغانيها إلى قواعد ثابتة فى حياة المصريين، فلا غربة ولا سفر دون أغنية «خلاص مسافر»، وامتلكت شادية كل شىء على عكس الأخريات، كان لديها شقاوة سعاد حسنى، وهدوء فاتن حمامة، ورومانسية مريم فخر الدين، ودلع لبنى عبدالعزيز، وسهوكة ماجدة، وإغراء هند رستم، ولكنها فاقت الجميع بملامح بريئة وناضجة وصوت ساحر.

فى 1986 رفعت شادية صوتها وغردت تغريدة البجعة، وقدمت رائعتها «ريا وسكينة» وقفت على خشبة المسرح للمرة الأولى فى مواجهة عمالقة هذا الفن عبدالمنعم مدبولى، وسهير البابلى، وتفاجأ الجميع بحضور طاغ وأداء غير عادى تختمه بأغنية «جه حبيبى وخد بإيدى» فى احتفالات المولد النبوى، وتبكى على المسرح وتتخلى عن كل شىء، ودون لف أو دوران تخبر الجميع أنها ستكتفى بما قدمته، حتى تبقى صورتها فى أذهان الجميع كما هى رائعة الجمال والكمال، ومن تاريخه.. ضربت شادية نموذجا فى الثبات، لم تعرفه أروقة السياسية التى طالما شهدت رجالا بشنبات، وعدوا ولم يفِ أحدهم بوعده، وقالوا إنهم سيختفون بفضائحهم، ولكن الشهرة أغوتهم فعادوا صاغرين لها، بينما ظلت شادية على عهدها ووعدها.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة