الأحزاب هى هذه التنظيمات التى تخرج من الشارع للتعبير عن مصالح طبقة أو جماعة من خلال برامج يتم دعوة الجماهير للالتفاف حولها إيمانا بها، بهدف الحصول على أغلبية برلمانية، يستطيع أى حزب أن يشكل عن طريقها الحكومة التى ستترجم برنامج هذا الحزب الفائز بالأغلبية عن طريق برنامج الحكومة القابل للتطبيق، هذا هو التعريف العلمى والنظرى الذى لم ير تطبيقا على أرض الواقع فى ظل التجربة الحزبية سواء كانت قبل ثورة يوليو 1952 أو فى تجربتها الثانية عام 1977 وحتى الآن، ذلك لأن فكرة الأحزاب التى تعتمد على مبدأ تداول السلطة هى الجانب العملى للعملية الديمقراطية، ولا يمكن تفعيل مبدأ تداول السلطة بدون الإيمان بمبدأ ممارسة قيمة الحوار وفتح الباب للرأى والرأى الآخر، وكل هذا يعتمد على قدر معقول من الثقافة العامة ودرجة من درجات الوعى السياسى، وهذا لا يرتبط بالضرورة بالمؤهلات العلمية، كما أن فكرة الأحزاب تعتمد على القبول والإيمان بالبرامج السياسية أكثر من الاعتماد والوثوق فى أشخاص يطلق عليهم قيادات أو زعامات، فكيف يكون ذلك ونحن مجتمع يقبع فى ضميره الجمعى فكرة الفرعون وهو الحاكم والكاهن والإله حتى أصبح المنهج الأبوى «البطريركى» هو السائد فى كل مجالات الحياة، فالفرد يخترع السلطة حتى لو لم يجدها، فمن الغفير وحتى الوزير سلطة تنفيذية، ورجال الدين سلطة دينية، ومن الأب والشيخ وكبير العائلة والقبيلة والطائفة سلطة أبوية، فهذه السلوكيات والموروثات كرست المجتمع الأبوى، فكانت الأحزاب منذ نشأتها ترتبط وتعتمد على الأب «الزعيم والقائد»، فلم يذكر الآن عن الأحزاب غير سعد زغلول وعدلى يكن «الاحتلال على يد سعد أحق من الاستقلال على يد يكن»، وفى المرحلة الناصرية اُختصرت وحتى الآن فى الرمز والزعيم عبدالناصر حتى أنه بعد وفاته انهارت التجربة وسرنا فى طريق النقيض خلافا للتقولات بأن تجربة عبدالناصر امتدت إلى مبارك. والتجربة الحزبية الثانية اختصرت فى زعامة فؤاد سراج الدين وخالد محيى الدين وإبراهيم شكرى، فالارتباط هنا بالأشخاص لا بالبرامج والأهداف.. وإلا كيف ينهار الحزب الوطنى صاحب الثلاثة ملايين عضو، لأنهم لا علاقة لهم لا بحزب ولا برنامج، ولكن بمبارك أى بالسلطة، ودليل ذلك أن كبار العائلات والنافذين فى طول البلاد وعرضها هم وأحفادهم فى الوفد والاتحاد الاشتراكى والحزب الوطنى، ومنهم من سار فى ركاب الإخوان وهم فى السلطة، ولأن الأحزاب فى وضعها الراهن لا تجد تلك الزعامات الكاريزمية نجدها فاقدة للبريق وللتواجد، ولا تملك أى تواصل جماهيرى، فلا إيمان ببرنامج حتى من قبل كوادر الحزب، فهم لا علاقة لهم ببرامج، ولذا تحولت إلى أحزاب ديكورية ورقية.
وفى الجانب الآخر، وجدنا جماعة الإخوان كجماعة أو حزب لا برنامج سياسى لها ولا رؤية مستقبلية لحل مشاكل أو تحقيق آمال للجماهير لديها، ولكن البرنامج والجماعة والحزب لهم هدف واحد هو مصلحة الجماعة وأتباعها ولا مكان لمن هم خارجها ولا موضع لكلمة وطن، وهذا لا علاقة له بمفهوم الحزب السياسى، ولذا فقد اعتمدوا على مبدأ الأهل والعشيرة ذلك المبدأ الذى يغازل الموروث القبلى والجمهورى، كما أنهم قد استغلوا الموروث الأبوى بهدف السيطرة تحت شعار السمع والطاعة.
فهل نعى هذا الواقع ونبدأ الانطلاق فى الطريق الصحيح، وهو الاعتماد على رفع درجة الوعى السياسى الذى يعتمد على المبادئ والبرامج والمصالح أكثر من الاعتماد على الأشخاص، مع العلم بأن التوصيف السياسى لهذه المرحلة الاستثنائية التى يعيشها الوطن ستتطلب فى المقام الأول الالتفاف حول أجندة وطنية مصرية تجمع ولا تفرق، تعيد اللُّحمة الوطنية وتسترجع التجمع المصرى، وهذا لن يكون بغير تأجيل ما يسمى بالبرامج الحزبية التى لا وجود لها غير التخفى وراءها للحصول على مكاسب ذاتية وشخصية لا علاقة لها بالحزب ولا برنامجه، فبرنامج مصر الوطن هو الأهم، والخروج من هذا الاستقطاب السياسى الخطير الذى يهدد سلامة الوطن هو الأبدى، فبدون مصر واستقرارها لا مصالح لحزب أو لجماعة، وبعد بناء مصر الجديدة مصر المصريين فليتنافس المتنافسون.