.تبت من قبل عن بُريدة، وحكيت الحوار الذى دار بين رجلين منها، حول أحوال المسلمين والإسلام، وكيف أنهما انطلقا يعيبان ما عليه غيرهما من أهل الملة، بادئين بأقاصى الأرض، حتى وصلا إلى بلدتهما، ومن ثم إليهما شخصياً.. كل يدعى أن إسلامه هو الصحيح. وقد تلقيت تعليقات كثيرة نسبيا على ذلك المقال، إذ وجد فيه من قرأوه توصيفا دقيقا لحال المسلمين الآن، غير أن حكاية بُريدة الكائنة فى المملكة العربية السعودية، كانت رمزية أكثر منها واقعية، وبالصدفة كنت أقرأ مجلدات تحمل عنوان «موسوعة الأديان والمذاهب»، من تأليف العميد عبد الرزاق محمد أسود، ومن إصدار الدار العربية للموسوعات، الطبعة الثانية سنة 2000 ميلادية ـ بيروت ـ لبنان، وأشهد أن المؤلف بذل جهدا أعتقد أنه مضنٍ فى جمع المادة وتصنيفها وتركيزها، وقد لفت نظرى ما أظن أنه الترجمة الواقعية للقصة الرمزية، التى ذكرتها من قبل عن «بُريدة»، وهالنى، أى أفزعنى فزعاً شديداً، ما وجدته عن الفرق الإسلامية، وهو أمر ينبئ عن عقلية التقسيم والتمزيق، والخلف وهو غير الاختلاف، ويشير إلى ما دأب عليه رواة قصة رحلة الإسراء والمعراج ونسبوه إلى الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إذ يقولون: إنه صلوات الله عليه، سأل رب العزة فى أمور كثيرة، فاستجاب له إلا أمراً واحداً، هو أن يقى أمته الانقسام لتبقى واحدة موحدة فلم يستجب له!
ففى الفصل الأول من الباب الرابع ومكانه فى الجزء الثانى من الموسوعة ذكر المؤلف تحت عنوان عريض هو: «اختلافات المسلمين وفرقهم»، وتحدث عن أسباب اختلاف المسلمين، ثم الاختلافات بين الفرق فى الآراء، وبعدها الاختلافات بين الفرق فى الفروع. ولأننى لن أدخل فى التفاصيل فسوف أقتصر على الإشارة لأسماء الفرق!!، وأرجوك عزيزى القارئ أن تشد حيلك وتطول بالك وتمعن التفكير فيما كان، وما هو كائن، وما سيكون، ولك أن تحوقل بلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.. وخذ عندك يا سيدى:
أهل السنة والجماعة ـ السلفيون ـ المرجئة، وفيهم المرجئة القدرية ومن فرقها: الجبرية والقدرية والحلولية.. ثم هناك المشبهة، وفيهم أو منهم المغيرية والمنصورية والخطابية، الذين توزعوا بدورهم إلى: المعمرية، والبزيغية، والعجيلية، والكيالية، والنصيرية.
فإذا انتقلنا للخوارج فسنجد قائمة تضم: «المحكِّمة ـ كاف مشددة مكسورة ـ ثم الأزارقة ثم النجدات، ثم الصفرية ثم العجاردة ثم الثعالبة، ثم الإباضية ثم البيهسية ثم الحازمية ثم الشبيبية».
وبعد ذلك خذ عندك يا سيدى، المعتزلة الذين يندرج فيهم: «الواصلية والهذيلية والنظامية والبشرية والمعمرية والمردارية والتمامية والهشامية والجاحظية والخياطية والكعبية والجبائية والهشمية والحائطية»، وإذا وصلنا إلى الشيعة، وجدناهم بدورهم فرقا منها: «الشيعة الإمامية ويندرج تحتها عدة فرق منها: «الباقرية والجعفرية والموسوية والمفضلية والإسماعيلية الواقفة». ثم تأتى الشيعة الزيدية، وتتوزع بدورها إلى الجارودية والسليمانية والصالحية والبترية.
بعد الزيدية تأتى الشيعة الإسماعيلية، وتتبعها فرق عديدة منها: «الباطنية والقرامطة والدروز والرافضة وإخوان الصفا».
ونصل بعد ذلك إلى الشيعة الكيسانية لنجد فرقا أخرى منها: «المختارية والهاشمية والبيانية والرزامية والكربية»!!، وهناك فرق شيعية أخرى منها: «الكاملية والمحمدية والهشامية والزرارية واليونسية والشيطانية»!
وحتى لا يذهب الظن بعيداً بالبعض، فقد رجعت إلى حكاية الشيطانية هذه فوجدتهم أصحاب أبى جعفر محمد بن النعمان الأحول الرافضى، الملقب بـ«شيطان الطاق»، وأصل التسمية يعود إلى أنه كان يجلس إلى سوق فى طاق المحامل فى الكوفة للصرف، والشيعة يسمونه «مؤمن الطق» و«مؤمن آل محمد»، وهو ـ بحسب موسوعة الأديان والمذاهب ـ الذى أوجد للشيعة القول بأن الإمامة لأشخاص منصوص عليهم بأعيانهم، فقال له زيد: «كيف تعرف أنت هذا ولا أعرفه أنا، ولم يذكره أبى لى»، وألف أبوجعفر كتابا فى الإمامة نفى فيه أن يقول الله سبحانه فى كتابه: «ثانى اثنين إذ هما فى الغار»! ثم إن أبى جعفر شارك آخرين فى بعض الدعاوى والآراء، إذ شارك هشام بن سالم الجواليقى فى دعواه: «إن العباد أجسام، وأن العبد يصح أن يفعل الجسم»، وشارك «هشام بن الحكم فى أن الله تعالى عالم بنفسه، ولكنه إنما يعلم الأشياء إذا قدرها وأرادها، ولا يكون قبل تقدير الأشياء عالما بها، لأنه ليس بعالم، ولكن الشىء لا يكون شيئاً حتى يقدره الله ويثبته بالتقدير الذى هو الإرادة.. إلخ» انتهى الاقتباس النصى من المرجع!!
فإذا أضفنا أننا أهل السنة نتوزع بين عدة مذاهب ومنا الأشاعرة، ومنا الموالك والأحناف والحنابلة والشوافع! ومنا ومن غيرنا الصوفيون، الذين يتوزعون بدورهم بين فروع رئيسية، وداخل هذه الفروع أغصان وأوراق بغير حصر، وإذا أضفنا ما عشناه ثم عانيناه مع ظهور ما يسمى بالحركات الإسلامية المعاصرة، التى انتشرت انتشار الجراد، ووصل عددها فى الثمانينيات من القرن الماضى وفى مصر وحدها إلى ما يزيد قليلا على ثمانين تنظيما وحركة، كان منها الفرماوية والجابرية، نسبة إلى جابر الطبال زعيم الحركات الإسلامية فى إمبابة، والذى كان يطبق الحدود بنفسه وتخشاه الناس والحكومة، التى فكرت ودبرت، وكان أن ألقى القبض عليه بحيلة شديدة الطرافة، سمعت تفاصيلها بأذنى ممن خططها، وأمر بتنفيذها. وكانت الخطة بسيطة إذ عرفت الشرطة ممثلة فى أمن الدولة أن الشيخ جابر له عشيقة يذهب إليها بعد أن يؤم صلاة الجمعة فى إمبابة، وكان يحب أن يشرب عندها النبيذ مع أكلة الكباب والكفتة.. ونجحت الأجهزة فى تجنيد المرأة، وفى اليوم الموعود أمدوها بصندوق نبيذ وأمروها بأن تسقيه حتى يسكر تماماً، وقد حدث وأعطت الإشارة لينزل الشيخ جابر ملفوفا فى الملاءة بدون أى ملابس تحتها وتنتهى أسطورته، ويصلى أهل إمبابة صلاة الشكر لله!
وإذا وصلنا إلى عامنا الحالى وتخيلنا عدد الجماعات والتنظيمات القائمة والمحتملة، لدى الإخوان والسلفيين والجهاديين وغيرهم، فإن الحوقلة بلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ستستمر إلى يوم الدين!
لم أقصد بتلك السطور أن أحط من شأن الدين، الذى أعتقده اعتقادا يقينيا لا لبس فيه، ولم أذكر ما ذكرت لأتشفى فى الذين زعموا لأنفسهم القوامة على الأمة والوطن فى دينه ودنياه، ولكن قصدت التنبيه والتحذير.. التنبيه إلى حقيقة محددة، وهى أن استمراء الزعم بالمرجعيات الدينية يؤدى أوتوماتيكياً إلى هذا التمزق المروع، والتحذير من أن الأيام المقبلة يمكن أن تشهد حربا بين الفرق القائمة الآن، كما حدثت الحرب بين الفرق التى كانت قائمة منذ وقعت الفتنة الكبرى، وما تلاها من قرون.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.. ورحم الله الرجلين من أهل بُريدة، لأننا لم نعرف أنهما تركا من ورائهما فرقا أو تنظيمات، وإنما اكتفيا بالمشاجرة المحدودة التى نشبت بينهما حول من منهما أصح إسلاماً!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عمادالدين جمال
الخلاصة: