فى آخر خطاب له وهو يسلم السلطة فى شهر يناير 2010، أجهش الرئيس البرازيلى السابق «لولا دا سيلفا» بالبكاء حين تحدث عن خسارته الانتخابات ثلاث مرات متتالية، فى 1989، 1994، 1998، ثم فاز فى عام 2002
وقال: «خسرت لأن جزءا من الفقراء لم تكن لديهم ثقة فىّ، وحكى كيف أن امرأة فقيرة قالت له يوما: «لم أصوت لك لأنك ستأخذ كل ما أملك»، وحكى أنه أخبر زوجته بأنه خائف لأن الناس الذين يريد مساعدتهم يخافون منه، فنصحته بتكرار المحاولة لأنه محقق غايته».
أذكر هذه القصة بمناسبة الجدل الدائر الآن حول ترشيح حمدين صباحى لانتخابات رئاسة الجمهورية، الذى استقبله البعض بترحاب بالغ، ورفضه آخرون بشكل قاطع، وفى الإجمال نحو أمام خطوة لو لم يكن لها تأثيرها البالغ، ما شاهدنا هذا الجدل من الأصل.
فى الترحيب قيل: إن خطوته مكسب كبير للديمقراطية، وأنه سيعطى زخما كبيرا للانتخابات، كما سيعطيها مصداقية كبيرة أمام العالم، لأنه مرشح قوى يدخل الانتخابات وفى الخلفية معركته السابقة التى حصد فيها ما يقرب من 5 ملايين صوت بالرغم من أن حملته الانتخابية كانت الأفقر بين المرشحين الكبار
أى أن أصواته جاءت من مصداقية خطابه، واقتناع شريحة واسعة من الشعب المصرى به، خاصة من الفقراء الذين ينحاز لهم، كما كان ينحاز «لولا دا سيلفا» لفقراء البرازيل، ولما نجح نقل بلاده من دولة فقيرة يأكلها الفساد، إلى معجزة اقتصادية وصلت إلى العشرة الكبار فى العالم.
وفى رفض ترشيحه تنوعت التبريرات، بين قائل، أنه يشق الصف الوطنى، وبين قائل، أنه يقدم على خطوة انتحارية تهز صورته التى اكتسبها من نتيجة الانتخابات الماضية، وفى مسألة «شق الصف الوطنى» يردد أصحابه كلاما فارغا من نوع
أن ملايين الأصوات التى حصل عليها جاءته بالصدفة، وأن شعبيته تآكلت، ويزيد هؤلاء فى طرحهم باستدعاء حكايات عفا عليها الزمن، غير أن هؤلاء يتجاهلون سؤالا وهو، إذا كان «حمدين» مرشحا ضعيفا بهذا الشكل، فلماذا الانزعاج من ترشيحه؟، إلا إذا كان هؤلاء يريدون استفتاء وليس انتخابات، لا يريدونها ديمقراطية حقيقية، يكون الشعب المصرى هو الفائز الأكبر فيها، ويكسب احترام دول العالم.
تعبير «شق الصف الوطنى» هو «تعبير» خادع، أشبه بـ«السم فى العسل» يذكره صاحبه ثم يبث سمومه بحجج غريبة أخرى من قبيل، كيف لمرشح لم ينجح فى الانتخابات الماضية، ويقرر خوضها الآن؟، كيف له أن يتجرأ ويفعلها، ويتفتق أذهان هؤلاء إلى الاستشهاد بأن ذلك لا يحدث فى الدول الديمقراطية، ولأنهم يتكاسلون عن البحث والمعرفة، يجهلون أن «نيكسون» فعلها فى أمريكا بعد فشله أمام أيزنهاور، وفعلها «ميتران» فى فرنسا أكثر من مرة، وفعلها «لولا دا سيلفا» فى البرازيل» ثلاث مرات، وفى النهاية نجحوا جميعا، ولأنها دول ديمقراطية حقيقية، لم تعايرهم شعوبهم بأنهم فشلوا فى الماضى
وإنما نظروا إلى ماذا سيقدمونه فى الحاضر لأجل المستقبل؟.. وأمام هذا الكلام وغيره أقول: ارحموا بلدكم يا بتوع «شق الصف الوطنى».