فى كتابه الجميل «عولم خانة» يقدم الكاتب الصحفى الكبير أكرم القصاص عبر ثمانية فصول، ومائة وثمانية أبواب، مرثية ساخرة ممتدة لما وصل إليه حال الإنسان فى ظل العولمة، آخر مراحل الحضارة الغربية التى يبدو أنها وصلت إلى طريق مسدود.
لا يتطرق أكرم القصاص إلى نقد الفلسفات التى قامت عليها العولمة، بدءا من فلسفات موت الإنسان التى تأسست على يدى نيتشه، وازدهرت بفضل إسهامات هايدجر، وكلود ليفى شتراوس، وميشيل فوكو، ووصلت إلى تطبيقاتها العملية بفضل منظرى البنيوية الذين حولوا الإنسان إلى مجموعة من البنى المنفصلة.
وبدلًا من الغوص فى تحولات الفلاسفة المحدثين يتصدى أكرم القصاص إلى تجليات موت الإنسان، وصعود الإنسان الافتراضى المزيف من خلال لقطات مدهشة ساخرة باكية على أحوالنا فى ظل العولمة التى حولت الإنسان من مركز الكون إلى مجرد حشرة عالقة فى شبكة عنكبوتية افتراضية لا يمكنه الفكاك منها، لا روحيًا ولا ماديًا.
ولو دققنا فى العناوين المنحوتة بعناية للقطات أكرم القصاص التى تتجاوز المائة لقطة لوجدنا أعنف سياق نقدى لفقه التخلف المدعوم تكنولوجيا والمقعّد له عبر سياسات الإعلان والإعلام التى تشكل الذوق العام عبر العالم أجمع، ومنها على سبيل المثال «موتى أون لاين»، و«الإعلان يبرر الوسيلة»، و«قبر إلكترونى وشاهد محوسب»، و«أيها المواطن السلعة.. استمتع ولا تعترض».
والانتقال عبر فصول كتاب أكرم القصاص يدفعنا دفعًا إلى محاولة التحكم فى انهيارنا التكنولوجى نحو الإنسان الافتراضى، أو نحو موت الإنسان روحيًا، وذلك بالبحث عن هدنة تنفصل فيها عن كل مظاهر العولمة التكنولوجية، والبحث فى تراثنا، وفى أعرافنا الاجتماعية عن كل ما يقوى الذات الإنسانية وعلاقاتها فى المجتمع.
ببساطة، هى دعوة لإنقاذ أنفسنا عبر هدنة إجبارية مع الحرب التكنولوجية ورجالها الأشاوس على مواقع التواصل الاجتماعى، وعبر أجهزة الاتصال ذات الإمكانات الخرافية والاستعبادية التى تحول الإنسان إلى حشرة فى شباكها، والبديل فى استعادة كل الممارسات الإنسانية التى تعلى من قيمة الفرد، بدءًا من الذوق الفردى، وصولًا إلى المشاعر الفردية، والعلاقة الشخصية مع مفردات البيئة، واستعادة دفء العلاقات الاجتماعية، والابتعاد عن كل ما هو معلب ومعولم وعام، وكذا البعد عن كل ما يدعم الإنسان الافتراضى.