خلقنا الله سبحانه وتعالى شعوبا وقبائل لنتعارف كما قال فى كتابه العزيز، أى أن أصل الخلق الجماعة إلى أن تقوم الساعة، وتلك هى اللحظة التى سنكون فيها فرادى رغم جمعنا، أما فى الحياة الدنيا فإن الجماعة وعملها سويا هو الذى يعمر الأرض، حقيقة لابد من الانتباه لها فى مصر، فنحن غافلون.
عشت أغلب عمرى أتساءل وأنقب ما هى أزمة مصر الكبرى التى تجعلنا دائماً فى ذيل كل القوائم، ومهما بحثت حول الأسباب كنت دائماً أصل إلى إجابة واحدة مشكلة مصر وأهلها الكبرى، أن السواد الأعظم فى هذا البلد لم يتعلم ولم يتأهل للعمل الجماعى، فنحن شعب فردى النزعة على الأقل فى تاريخنا الحديث جداً .
المصرى وحيداً قد يكون منجزاً وقد يكون ذكياً وقد يكون مؤهلاً للجهد والاجتهاد، ولكن إذا اجتمع مع آخرين فى نفس المهمة، هنا صارت الأزمة وصار الانشقاق والتصارع وأبداً لا تنتهى تلك المهمة على خير، والحديث عن العمل الجماعى ليس حديثا رفاهية بل حديث جد الجد، وهم الهم الذى نحياه ليل نهار، وسبب الخيبة القوية، والأهم أنه عنوان يفسر لنا أسباب خبرين من أهم الأخبار التى تناولها الإعلام هذا الأسبوع .
أما الخبر الأول فهو ما جرى فى حركة تمرد من تفسخ واهتراء وصل بين الشباب للتشابك بالأيدى أمام الكاميرات، وأما الخبر الثانى فيخص استقالة د.منى مينا من منصبها الذى حصلت عليه بالانتخاب فى نقابة الأطباء.
الخبر الأول والذى يخص تمرد التى تكونت بدافع طرد الإخوان من حكم مصر، واستطاعت أن تجمع أغلب المصريين على لحظة سواء فحالها ليس أفضل من حال كل اللائتلافات والتجمعات التى ضمت من أطلقوا على أنفسهم ثوريين، فخلال الثورة وبعدها كنا كل يوم وأمام كل كاميرا نشاهد فلان من ائتلاف معرفش إيه، ثم ما هى إلا أيام ويبدأ كل منهم فى مهاجمة الآخر ونعته بأقبح الصفات، حتى وإن لم يحدث ذلك، فنحن أمام كيان بدأ جماعياً وعادة ينتهى بعركة أو فضيحة أو تحلل داخلى.
وكنا قد استبشرنا خيرا بتمرد بعد أن كنا كفرنا بكل تجمع للشباب، وخاصة أنها وصلت معنا كمصريين لهدفها، وكان يجب أن يتم إعلان انتهاء مهمتها بعد يوليو الماضى، لأن مهمتها ومطالبها بالفعل تحقق أغلبها، وأن يفكر شبابها ونجومها إما فى تحويل حركتهم لحزب بهدف ورؤية تجمعهم أو إعلان نهايتها بشكل سعيد.
فلو أن مؤسسيها خرجوا علينا بمؤتمر صحفى وأعلنوا أن الحركة تصفى نفسها وتستعد لمرحلة جديدة لاحترمتهم وسعدت بعملهم الجماعى ولرأيت فيهم الأمل، ولكنهم استمرءوا النجومية والدعوات الرئاسية وكأنهم يحلبون نجاحهم الأول الذى انتهى إلى تلك النهاية التعيسة التى شاهدناها على الشاشات. صار كل منهم لا يريد لهذا الكيان أن ينتهى لأن وجوده هو الذى يعطيه زخما ونجومية وبودى جارد وأشياء أخرى ولا مانع عندى فى ذلك، ولكن بشرط أن يستمر العمل جماعياً.
كفر المصريون بالنخبة السابقة على الثورة، وكانوا كبارًا، وصاروا مدعاة للسخرية والهم، وحين جاءت الثورة استبشر المصريون أو كثير منهم بأن هناك أمل فى العمل الجماعى لتغيير الواقع، ولكن كل يوم كان يمر عليهم فيروا نماذج الشباب تتجمع للحظات ثم تختلف لساعات واختلافهم أبداً لم يكن رحمة، ويأتى ما حدث فى تمرد ليجعل العامة تتأكد أن لا فرق بين شاب أو كهل فى تقدير قيمة العمل الجماعى والاستمرار فيه.
تمرد نموذجاً لكل تجمع مصرى فى عمل جماعى بداية تبدو متألقة ثم استمرار مأساوى ونهاية، ولا يختلف فى ذلك عجوز أشب أو شاب غض، فأحزابنا بكبارها كم شاهدنا وعرفنا عنها من فردية وهجر للعمل الجماعى، وهاهم الشباب الذين قال البعض منهم عن جيل الكبار أنهم جيل عرة، فهل نرى منهم كشعب غير ما رأينا من السابقين؟!، ولا أستطيع أن أهضم أو أتقبل أن يخرج علينا واحد من هنا وواحد من هناك من جماعة تمرد ليقول لى أن قواعدهم ثابتة وأنهم على وفاق وأن واحدا أو اثنين فقط هم المختلفون.
الخبر الثانى، والذى يخص استقالة د. منى مينا، نراه مثال آخر على حسن البدايات وسوء الخواتيم فى عمل المصريين الجماعى حتى لو كان من أجل تجمع مصلحى بالدرجة الأولى كما فى النقابات. الدكتورة منى مينا، مناضلة تطالب بحق الأطباء فى حياة كريمة ولكنها تحولت من مناضلة إلى فاعلة، صار لها منصب فى نقابة الأطباء، ولكنها وجدت نفسها وحيدة بعد أن حملتها الأصوات إلى منصبها فآثرت الابتعاد، فهل هذا معناه أنه من السهل أن تثور ولكن من الصعب أن تحقق ما ثارت من أجله يوم أن تتولى المسئولية،أم معناه أن منى مينا بدأت بجماعة وانتهت وحيدة؟، وقد يكون التفسيران مجتمعان.
كل تغيير فى أى بلد أو فى حياة البشر لابد أن يمر عبر مراحل تلد مرحلة أخرى فى سبيل التقدم خطوة، ولكن ثلاث سنوات فى عمر هذه الثورة حتى الآن تثبت أنها ثورة مش بيعيش لها مولود.
كان الشعب قبل 25 يناير لا يصدق الحكام ولا يصدق الأحزاب وأحيانا كان لا يصدق المعارضة بل قل كثيراً، ثم جاءت الثورة ورأينا جمع غفير من البشر يعملون سويا فقلنا خير، ولكنها كانت لأيام قليلة وكأن المولد انفض وراح، كل يبحث عن غنيمة كما حدث مع المسلمين الأوائل فى غزوة بدر فعاد الناس لما كانوا عليه، ثم برزت تمرد فتحمس الناس وشعروا أن شيئاً سيجمعهم، ثم أفسدت تمردت الحلم كما أفسدت الجماعة أحلام منى مينا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة