هل نطمع فى أن يقدم لنا المرشحون لمنصب رئيس الدولة قائمة بأهم الكتب التى اطلعوا عليها، وتأثروا بها طوال حياتهم؟ وهل نحلم بأن يحكم مصر رئيس مثقف ينفعل بالشعر ويعشق الرواية ويهيم بالتاريخ ويقدّر دور مصر، ويدرك مكانتها فى السابق واللاحق؟ أم أن مستوى ثقافة الرئيس ليست من الأمور المهمة التى يجب أن نحرص عليها؟
الحق أن أحد أكبر المصائب التى مرت على مصر أن يحكمها شخص ليست له علاقة بالثقافة بمعناها الشامل، ولقد كان حسنى مبارك عدوًا للقراءة، فلم نسمعه مرة يستشهد بحكمة أو بيت شعر أو يتحدث عن طه حسين أو الحكيم أو نجيب محفوظ حديث العالم الواعى، أما محمد مرسى فقد حشر نفسه فى قراءات محدودة فرضتها عليه جماعته، وهى قراءات تخاصم الآخر، وتنفر من الفنون والآداب والمعارف المختلفة، أما جمال عبدالناصر فكان قارئًا نهمًا، مفتونًا بالاطلاع على أحدث إبداعات الكتاب المصريين والعرب والأجانب، كما كان من محبى الاستماع إلى أم كلثوم وعبدالوهاب، كذلك يمكن القول إن السادات كانت تربطه بعالم الثقافة والآداب والفنون أواصر ووشائج.
أعتقد أنك تعلم أنه لا يمكن لرئيس دولة أن ينجح فى مهمته إذا كان يخاصم الثقافة، ولا أعرف كيف يستطيع رجل ما قيادة بلد بوزن وحجم مصر وهو لم يقرأ كتاب (فجر الضمير) مثلا الذى كتبه عالم المصريات والمؤرخ الأمريكى جيمس هنرى بريستد (1865/ 1935) وترجمه الدكتور سليم حسن، فهذا الكتاب يوضح كيف أن المصريين القدماء هم أول من عرف الطريق إلى القيم الفاضلة، وهم الذين أرسوا المبادئ العامة للضمائر الحية.
كما لا أتخيل أن يحكم مصر رجل لم يقرأ (الأيام) لطه حسين، أو ثلاثية نجيب محفوظ الشهيرة أو روايته المدهشة (الحرافيش)، لأن هذه الأعمال الإبداعية الفذة استطاعت أن تقتنص جوهر المصريين، وتكشف مزاجهم النفسى العام، وكيف يتعاملون مع أنفسهم ومع ما حولهم! كذلك لا أستسيغ أن يجلس على عرش مصر رجل لا يحفظ ما تيسر من شعر أمير الشعراء أحمد شوقى ويستمتع به، ولا أظن أن يحالف التوفيق رئيس مصر إذا لم يكن قد اطلع على موسوعة (شخصية مصر.. دراسة فى عبقرية المكان) للراحل الدكتور جمال حمدان (1928/ 1993)، فهذه الموسوعة المذهلة ترصد بذكاء تاريخ مصر السياسى والاقتصادى والجغرافى والاجتماعى، والنفسى إذا شئت، وطبيعة ومستقبل علاقاتها مع محيطها العربى والعالمى.
لا تقل لى إن مستشارى الرئيس سيطلعونه على أهم ما ورد فى تلك الأعمال أو غيرها، لأننى سأخبرك بأن القراءة الشخصية هى التى تؤثر فى صاحبها، وتعمق وجدانه، وترقق مشاعره حتى يعمل على تحقيق العدل، وهو أهم وأغلى مطالب المصريين على مر العصور.
اقرأ معى ما كتبه الفلاح المصرى الفصيح الذى عاش فى القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد، يقول: (إن العدالة خالدة الذكرى، فهى تنزل مع من يقيمها إلى القبر، ولكن اسمه لا يمحى من الأرض بل يذكر على مر السنين بسبب العدل).
ترى.. أليس من حقنا أن نحلم برئيس عادل وجاد وحازم.. ومثقف؟