شعرت بالإحباط الشديد عندما استقالت د. منى مينا من منصبها، وقد سبقه إحساس بالفرح والفخر الشديد عندما تولت المنصب، فقد رأيت فيها كلمة «صوت المرأه هو الثورة»، وشعرت أننا سنبدأ ثورة البناء عندما تبدأ الثورة أن تحكم من أهم المواقع فى وجهة نظرى، وهى المواقع النقابي
ة.
ولكن سرعان ما صدمت بقرار استقالتها، وبغض النظر عن أسباب الاستقالة، أو أنها نهائية أم خاضعة لإعادة التفكير، فإن النتيجة واحدة ومحبطة، فقد نالت هذا المنصب بأصوات المواطنين وليس بالتعيين. وأعتقد أنها كانت تعلم أن الأرض ليست مفروشة بالورود، ولكن بالعراقيل والصعوبات، وثقة الناس فيها كبيرة، وأن موقعها فى النقابة هو التطور الطبيعى للثورة، أم أننا نعتقد أن الثورة هتافات وشعارات ومظاهرات فقط، فقد مللنا أن نقول لا تلوموا على الثورة فإنها لم تحكم، وعندما يأتى الوقت لكى تحكم الثورة تستقيل الثورة!
سواء كان السبب مزايدات رخيصة يجب أن يكون المسؤول أعلى منها، أو معوقات تراكمات الفساد لأكثر من ثلاثين عامًا فهذا وذاك ليسا مبررين. السهل أن تهدم الثورة الأنظمة الفاسدة، ولكن الصعب والتحدى الحقيقى أن تبنى الثورة الأنظمة البديلة التى تحقق هدف هدم ما سبقها، وإلا أصبحت الثورة غاية فى حد ذاتها لا وسيلة للتغيير، وهذا غير معقول ولا مقبول!
ويجب أن يعلم الجميع أن القادم فى أى منصب ثوريا كان أو «تكنوقراط» لا يحمل العصا السحرية، وأن العبء ثقيل، والمسؤولية مرعبة، ومعركة البناء ستقابل بالعديد من التحديات التى يجب أن نستعد لها، ولمواجهتها، لا الهروب منها والانسحاب.. لا تلتفتوا للمزايدات، فالكلام سهل جدًا، وثق أنك كمسؤول فى موقع الفعل، والآخرين فى موقع الكلام، والفعل يبقى والكلام ينسى.
وأثناء مناقشة هذا الموضوع على صفحات التواصل الاجتماعى، أرسل لى الزميل العزيز ألفريد رؤوف إحدى مقالاته التى أرى أنها مهمة، وتلخص الكثير، وذلك تحت عنوان رائع وملهم وملخص لما يحتويه المقال «المعركة المهملة للثورة المصرية»، وهنا أرد عليه بعنوان هذا المقال: لن تكون مهملة إذا ثُرنا ثورة للبناء، وإيجاد البديل الحقيقى.
وأنشر لكم هنا بعض أجزاء من مقالته التى اعتبرتها سطرت بعض أفكارى، وما يستحوذ على اهتمامى هذه الفترة.
فقد كتب ألفريد رؤوف: «أما المشتغلون بالعمل العام منذ ثورة يناير 2011 والمحسوبون على الثورة، فقد خاضوا الكثير من المعارك مع الكثير من خصوم الثورة وأعدائها.. وقد أسقطت الثورة بالفعل مبارك وحزبه الوطنى، ومن بعده المجلس العسكرى، ومن بعده نظام الإخوان، إلا أنها وفى كل مرة، لم تكن الثورة هى التى تصل إلى السلطة، بل كان دائمًا يستحوذ عليها طرف ثالث.. وأسوأ ما فى هذا كله حتى هذه اللحظة هو أن عددًا كبيرًا من الثوار لم يتعلم الدرس الأهم بعد ثلاث مرات، وهو أن الأهم من إسقاط النظام، أى نظام سيقوم بعده!
أزعم أن المعركة الأساسية للثورة والتى لم تركز عليها القوى الثورية بالقدر الكافى، هى معركة إقامة بديل سياسى خارج سيطرة الدولة والنظام.. كل المعارك- من دون بناء ذلك البديل- ضد طرف ما لإسقاطه، ستصل إلى النتيجة نفسها، وهى أن وقوع السلطة فى يد طرف ثالث أكثر راديكالية وأكثر عنفًا يشكّل دائرة مفرغة مرعبة!»
واستكمل ألفريد كلامه باحثًا عن الحل، وقال: «إن المخرج الوحيد للثورة والدولة والمجتمع هو أن يعى التيار الثورى أن المعركة الأساسية للثورة المصرية، والتى يحتاج أن يركز جهده ووقته فيها، هى بناء ذلك البديل المدنى من كوادر وتنظيمات حزبية لها جذور مجتمعية لا تكون تحت عباءة الدولة.. كذلك يجب أن تعى الدولة أن عهد السيطرة على صناعة النخب الحاكمة قد انتهى، ولا يصلح لبناء دولة حديثة سوى حلبة سياسية حزبية سليمة تعمل فيها الأحزاب بحرية كاملة فى إطار من المنافسة، فهى القادرة على إفراز كوادر سياسية قوية لها جذور تحاول دائمًا إجادة عملها فى خدمة المواطن لتتمكن من المنافسة من دون أن يكون همها الأساسى تملّق السلطة من أجل الوصول إلى منصب».
وأهم نقطة ختم بها ألفريد كلامه: «أما الأهم فى هذا كله، فهو أن تدرك الطبقة الوسطى أنه يجب عليها تحمل مسؤولية مجتمعية وسياسية، وإلا فإنها فانية لا محالة.. يجب أن تبدأ الكوادر صاحبة الخبرة الجيدة فى الإدارة، والعاملة فى مؤسسات وشركات عالمية فى تحمل مسؤوليتها تجاه المجتمع، والبدء فى العمل فى المجال العام، وبناء خبرات فى هذا المجال، وإفراز كوادر حزبية تعمل فى الأحزاب المدنية، فهى الأقدر على ذلك.. إن نقد الأحزاب والعاملين فيها لن يفيد بشىء، فقط العمل فى تلك الأحزاب ومنافسة تلك الوجوه القديمة والتغلّب عليها، يعتبر السبيل الوحيد لتحقيق إفادة ما.. يجب أن تعى تلك الطبقة أنه فى خلال السنوات العشر المقبلة، إن لم تستطع اجتذاب أعداد كافية من الطبقة الأكثر فقرًا ورفعها إلى الطبقة الوسطى، فإن الاقتصاد والدولة ككل لن يتمكنا من الاستمرار، لأنه ليس هناك ما يكفى لإنتاج ما يمكن أن يسند الاقتصاد فى الطبقة الوسطى الأكثر إنتاجًا، وهذا واجب تلك الطبقة ومسؤوليتها تجاه أبنائها والأجيال القادمة.
ويبقى أنه على الجميع أن يعوا أن المشكلة الأكبر والمعركة الأساسية هى إعادة بناء المواطن المصرى نفسه قبل أى شىء آخر، فأكثر ما أفسده نظام مبارك وأمعن فى تخريبه هو المواطن نفسه.. إن معركتنا الأساسية هى بناء بديل للنظام، وليس إسقاط النظام، والنظام لن يسقط إلا إذا أوجدنا البديل».