هل هذا هو الوقت المناسب لعودة الإضرابات والاحتجاجات الفئوية وهل هى من قبيل المصادفة أم إنها خطة تستهدف "خلخلة" النظام الحاكم الآن حيث أن الغالبية العظمى من تلك الفوضى "غير الخلاقة" لا تستهدف إسقاط النظام الحاكم وإنما هى فى حقيقة الأمر مجرد ثورة على مؤسسات الدولة فى ظل التناقضات التى نشهدها الآن بين المطالب المجتمعية المتصاعدة من ناحية وبين القدرات الاستيعابية المحدودة لتلك المؤسسات من ناحية أخرى، خاصة مع تزايد الأزمات المتعلقة بتخصيص الموارد وتوزيع المنافع الاجتماعية وفى ظل استنزاف الموازنة العامة فى إعادة ترميم البنية التحية التى أفسدتها الصراعات السياسية التى كانت وما تزال سبباً رئيسياً فى "خيبة الأمل" التى تخيم على رؤوس الجميع سواء من كان فى الحكم أو من يجلس على مقعد المعارضة.
وخطورة هذا النوع من الاحتجاجات أنها تبدأ فى سكون مرحلى ولكن سرعان ما نفاجأ بانفجارها فى لمح البصر لتصبح أكثر حدة وأكثر خطورة وذلك بانتشارها من مؤسسة إلى آخرى وكأنها "ميكروب" يتسبب فى إصابة كل من يجده فى طريقه بالعدوى الفورية.
وعلى الرغم من ارتباط تلك الموجة الاحتجاجية المتصاعدة فى مصر بمطالب تكاد تكون ثابتة تتمثل فى تعديل الأجور وتثبيت العمالة المؤقتة وتطهير المؤسسات من القيادات الفاسدة إلا أن هناك سبباً آخر وراء ظهور تلك الموجة من الاحتجاجات يتمثل فى ارتفاع حدة الصراع بين كافة التيارات السياسية.
وهنا أتوقف قليلاً أمام مسألة الصراعات السياسية باعتبارها المحرك الرئيسى ـ على الأقل فيما يحدث الآن ـ لتلك الظاهرة "السلبية" فهل هى مصادفة أن يتكرر نفس المشهد الذى عشناه فى مثل هذه الأيام من عام 2011 حينما كان المجلس العسكرى مكلفاً بإدارة شئون البلاد عقب تنحى مبارك حيث وصلت الاحتجاجات والمطالب الفئوية ذروتها وقت أن كانت تحركها أيدى جماعة الإخوان وهى تخطط وترتب لإثارة الفتن والمؤامرات من أجل إحراج المجلس العسكرى آنذاك وإظهاره فى صورة الكيان "الضعيف" الذى لا حول له ولا قوة فكانت النتيجة أن علت الأصوات وتجرأ "كل من هب ودب" على النظام الحاكم بل والتفت أيضاً الغالبية العظمى من البسطاء و"المغيبين" حول هذه "الجماعة" التى استطاعت فيما بعد ـ بالغش والخداع ـ الوصول إلى سدة الحكم مما جعلها تتحول إلى "عصابة" كادت تغتصب وطن بأكمله وتحوله إلى مجرد عزبة "خاصة".
نعم هناك أياد "خبيثة" تحرك الاحتجاجات والمطالب الفئوية التى تخرج علينا كل يوم.. نعم هناك رائحة كريهة تفوح من بعض وليس كل تلك الاحتجاجات التى تحاول إشاعة الفوضى بين قطاعات مهمة فى الدولة.. نعم هناك أصابع اتهام تشير إلى أن بقايا "الإخوان" ما زالوا يمارسون هوايتهم المفضلة فى "اللعب بالبيضة والحجر" مستخدمين هذه الأنواع المريبة من "الاحتجاجات" التى تكون فى الظاهر مشروعة ومنطقية وأهدافها نبيلة إلا أنها تحمل فى باطنها أغراض هدامة وتخدم مصالح "جماعة" انتهت تم حظرها وأصبحت مجرد ذكرى مؤلمة.
وحسب تقرير سابق صدر عن المركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فهناك عدة سيناريوهات متوقعة للتعامل مع تلك الاحتجاجات الفئوية الحالية، أولها يتمثل فى الاستمرار فى نهج الاستجابة الجزئية والحلول المؤقتة بما سيؤدى إلى المزيد من العجز المالى، وتزايد وتيرة الاحتجاجات.. وثانيها يتعلق بتجاهل الاحتجاجات مما يؤدى إلى تحولها نحو العنف، وربما موجة ثورية جديدة. بينما يتمثل السيناريو الثالث فى استخدام العنف بشكل صريح، وعودة القيود السلطوية، بما سيحقق استقرارا "وهمياً" ولكنه قد يتسبب فى تفجر جديد للأوضاع فيما بعد.
وعلى الرغم من منطقية تلك السيناريوهات إلا أننى أرى سيناريو آخر يحمل من وجهة نظرى الحل الأمثل وهو ضرورة حشد قطاعات المجتمع خلف برنامج تنموى واضح يتضمن تسوية كاملة للمطالب المجتمعية، وخلق قنوات حقيقية وفعالة لاستقبال مطالب المحتجين، والتعامل معها بكفاءة وأطالب فى نفس الوقت باتخاذ مواقف حاسمة وأكثر صرامة مع "المحرضين" والذين يقفون خلف تلك الاحتجاجات وعدم التعامل معه بأسلوب "الطبطبة" السابق الذى لم نجن من ورائه سوى المزيد من الانفلات و"قلة الأدب".
عدد الردود 0
بواسطة:
علاء حسن
اسمها المطامع الفئوية