«الفيل الأزرق» رواية ساحرة للكاتب الشاب أحمد مراد، صدرت مؤخراً عن دار الشروق، تتشابك خيوطها وخطوطها بين المعقول واللامعقول، بين الواقع والخيال، بين ما نعتقده «السواء والصحة» وما نظنه «المرض»، بين اللحظة الحالية وتقاطعاتها مع الأزمنة السابقة والمقبلة.
هذه الحبكة المعقدة والغنية مثل غابة، تدور حول طبيب نفسى يعيد اكتشاف عالمه و«عالمنا» بعد خمس سنوات من الغياب الإرادى عن الحياة بعد حادث مأساوى أودى بزوجته وابنته الوحيدة وتركه مريضاً بالسكرى بعد جراحة إزالة البنكرياس، لكن عودة «يحيى» إلى العمل بمستشفى العباسية، وإغلاقه مؤقتاً مرحلة الغياب أو الانسحاب من الحياة، كانت تعنى انفجار الماضى كله وتشعب الحبكة الروائية بخطوط تشريحية لجميع شخصيات الرواية.
تحفل الرواية بعدة تيارات من الحكى أو أساليب متنوعة من السرد، متباينة فى طبيعتها، بدءاً من السرد المباشر وحتى الهذيان، مروراً بالحوار والمونولوج والفقرات الاعتراضية الكاشفة التى تدخل أصواتاً جديدة إلى مسار السرد، ورغم ذلك يتمتع الكاتب بقدرة على السيطرة عالية على كل أساليب السرد ومهارة فى التنقل بينها لكسر حالة الملل وإثارة خيال القارئ وإبقائه مشدوداً متوتراً يلاحق الكاتب اللاهث بين شخصياته وعوالمها وبين تشريحه لذاته، وكأن الرواية فقرة واحدة طويلة رغم تعدد فصولها وتجاوزها الثلاثمائة صفحة.
أهم ما تثيره رواية الفيل الأزرق أنها تقدم مجموعة من الأسئلة وتترك لكل قارئ حرية الإجابة عنها، هل يمكن أن نعيش عالماً مختلفاً أو نستحضر الماضى من خلال عقار أو مخدر؟ هل يمكن أن نطلع على مستقبلنا عندما نقتفى خطى أو مصير شخص آخر!
وهل هناك فعلاً ظواهر مرضية نفسية عجز الطب النفسى عن الإحاطة بها وقدم لها التراث أو الفلكلور الشعبى حلولاً وتفاسير؟ هل هناك فعلاً حلول للجن فى أبدان الإنسان؟ وهل هناك علم كامل للطلسمات والرموز والأسرار تقوم على تباديل وتوافيق الأرقام؟
إجابات على كل منا أن يقدمها بعد أن يفرغ من هذه الرواية الشيقة الغنية، والتى يبقى منها الكثير فى أذهاننا بعدما ننتهى من قراءتها، لنحيا ومعنا بعض مفرداتها أو مفاتيحها، ربما تساعدنا على فهم أنفسنا وفهم الآخرين من حولنا.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة