يمهد الإعلامى البارز حمدى قنديل مذكراته «عشت مرتين» بالقول إنه سيتحدث عن تجربته دون الانزلاق فى إعطاء الدروس، ويقول إنه لأن يروى الوقائع إلا ما رأيته بعينى أو سمعته بأذنى، ويؤكد: «لن أعمد إلى تبييض صفحتى أو تلويث خصومى، لى بالطبع أصدقاء طوتهم دوامة الزمن، كما أن هناك من اختاروا أن يعادونى لأننى أخالفهم الرأى، لكننى أرجو أن أكون منصفا لأصدقائى، عادلا مع غرمائى، إذ ليس فى نيتى الانتقام».
يقول حمدى قنديل إنه كثيرا ما يحسن الظن بأنه رجل محظوظ على الرغم من أنه لم يرزق بولد، ولم تخل حياته من مفاجآت مقيتة، ويقول: «رزقنى الله بالرضا، بهبة النسيان، بمكانة مرموقة بين أقرانى، بحب كثير من الناس، بزوجة وإخوة وأخوات وأصدقاء نادرين، ببعض من المال يغنينى عن مزلة السؤال، بكثير من الجسارة التى تحفزنى على قول ما أعتقد أنه الحق وبمهنة أحبها طافت بى الدنيا شرقا وغربا».
يحمل الكتاب عنوان: «عشت مرتين»، يوضحه بقوله إنه لم يقصد الإشارة إلى حياة اليقظة وحياة المنام، فحياة اليقظة وحدها تكفى وتزيد، يضيف: «عشتها طولا وعرضا، أخذا وردا، فيها الأسى والانكسار والفشل، وفيها الصمود والحلم والإنجاز، وفيها من المفاجآت والمفارقات ما يعجز عن ابتداعه عتاة المؤلفين».
يتحدث «قنديل» عن جذور أسرته التى تعود إلى محافظة المنوفية، ويتساءل: «لست أدرى إذا ما كنت ورثت عن «المنايفة» طباعهم التى يتحدث عنها الأدب الشعبى، وأشهرها البخل، ولكنى سأبادر كما هو متوقع إلى نفى هذه التهمة، ويقول علماء الاجتماع إن «المنايفة» ميالون إلى الاستقرار والدوران فى فلك السلطة، وهذا ما يمكن أن نكتشف مدى صدقه بالنسبة لى على الأقل».
فى مرحلته المبكرة يتحدث «قنديل» عن بطله الأسطورى «لطفى فهيم» جارهم «الشيوعى» ابن العشرينيات من عمره، وكان ما لفت نظر «قنديل» إليه زيارات «البوليس السياسى» المتكررة له، واختفائه لأيام وشهور بعد أن يغادر منزله فى «بوكس» الشرطة، علم «قنديل» أن «لطفى فيهم» شيوعى، فانتظره يوما ليسأله عن معنى الشيوعية، فأجابه بإيجاز ثم وعده باللقاء للحديث باستفاضة.
كان «قنديل» وقتئذ يبلغ من العمر عشر سنوات، ولما قابله «فهيم» ليجيب عن سؤال «قنديل» حول الشيوعية، استمع الأخير إلى محاضرة موجزة يتذكر منها عبارتين براقتين: «العدالة الاجتماعية» و«المساواة بين البشر»، ولما قال لأبيه ما سمعه، رد الوالد: «كله فى الإسلام»، وطلب منه الاستعداد فى عصر اليوم التالى ليصطحبه إلى جمعية «الشبان المسلمين»، سأل قنديل والده: «الشبان أم الإخوان؟ فرد الوالد: «لا.. الإخوان شداد شوية»، ويقول قنديل: «ربما كان يعنى متشددين، أو يعنى أنهم ميالون إلى العنف، خاصة أن الأنباء كانت قد تواترت عندئذ عن مقتل النقراشى باشا رئيس الوزراء واللواء سليم زكى حكمدار العاصمة على أيديهم».
من الاستماع إلى «الشيوعية» و«الإخوان» مضت حياة حمدى قنديل.. ونستكمل.