ظهر تعبير حزب الكنبة بعد 25 يناير لوصف قطاع عريض من المصريين ليس لهم علاقة بالثورة والمشاركة السياسية إلا من خلال مشاهدة التليفزيون، التعبير يصف ظاهرة استهلاك الجمهور فى المجتمع الحديث لبرامج التليفزيون وحالة التلقى السلبى والاستسلام العقلى والروحى لجمهور كسول يصدق كل ما يقدمه التليفزيون، والحقيقة أن بحوث الإعلام اهتمت بهذه الظاهرة وتحدثت عنها كثيرا، لكن ربط الظاهرة بالكنبة ومتابعة أحداث الثورة كان بلا شك عبقرية مصرية خاصة.
حزب الكنبة التليفزيونى كان موجودا قبل 25 يناير، لكنه لا يتابع البرامج السياسية، ومع الثورة وحالة الارتباك والشك فى المستقبل بدأ يتابع كل ما هو سياسى، لكنه ظل يستهلكه بنفس الطريقة السلبية التى كان يتابع بها برامج التليفزيون قبل الثورة، أى الاستهلاك بدون تفكير أو عقلية ناقدة، وللأسف استغلت القنوات التليفزيونية المصرية «الخاصة والحكومية» والأجنبية، وفى مقدمتها الجزيرة حزب الكنبة وتلاعبت بمشاعره ولم تهتم كثيرا بعقله، فأطلقت برامج التخويف والإثارة السياسية، وروجت لفزاعات ضياع الأمن، والمؤامرة الخارجية، وانهيار الدولة، والحرب الأهلية، والتكفير، والتخوين.. إلى آخر تلك الفزاعات التى زيفت وعى حزب الكنبة، لكنها أيضا ضاعفت من مخاوفه وعدم ثقته بالعالم من حوله، لذلك ظل وفيا لكنبته قاعدا عليها لا يفارقها!! ولا يشارك فى الفعل السياسى، ومع ذلك هناك من قال إن تطوير التجربة الديمقراطية رهن بتحريك وإدماج حزب الكنبة فى الحياة السياسية، فى المقابل هناك من روج لنظرية تآكل حزب الكنبة وتحوله إلى أقلية حيث شارك أغلبية المصريين بما فيهم طبعا حزب الكنبة فى ثورة 30 يونيو.
صحيح أن قطاعا من حزب الكنبة شارك فى 30 يونيو، لكنه سرعان ما عاد إليها، بدليل نسبة المشاركة فى الاستفتاء على الدستور، التى كانت %38 فقط من الناخبين، وبالتالى يمكن القول بأن الأغلبية ما تزال بعيدة عن الفعل السياسى، والجديد هنا أنها ابتعدت عن متابعة الأحداث السياسية والنقاش العام!! فقد أكد لى أصدقاء وأقارب من حزب الكنبة «أنهم تعبوا من السياسة «..» ومش عارفين مين صادق ومين كداب «..» سبنا دول.. ودول.. وبنشوف ماتشات وافلام ومسلسلات»!!
هذه الإجابات تعنى أن حزب الكنبة التليفزيونى يشعر بالحيرة والاغتراب، وعدم الفهم، فالأحداث كثيرة ومتلاحقة، ومواقف النخب السياسية والإعلامية تتغير وتتلون، وبالتالى انصرف حزب الكنبة عن كل ما هو سياسى لأنه لا يقدم يقينا، وهناك حالة من التنوع والانقسام فى الروايات ما بين القنوات المصرية وقنوات الجزيرة وأخواتها، علاوة على سرديات وشائعات الإخوان فى الشارع، وبالتالى بات حزب الكنبة حائرا ومتشككا فى تصديق ما يقدم إليه من أخبار أو وعود، خاصة أنه سنوات الثورة شبع كلاما ووعودا سياسية ودينية، ولم يجد هذا الحزب الضخم من بديل سوى عالم الترفيه والمتعة الزائفة، فانتقل من متابعة الأحداث السياسية ومشاهدة وقائع الثورة والمحاكمات والاشتباكات فى الشوارع وفى الاستديوهات إلى فضاء المتعة والتسلية ومشاهدة قنوات الرياضة والأفلام والمسلسلات والطهى.
المعنى وبدون تنظير أن الضخ الإعلامى الهائل من قنوات تقول أشياء متناقضة أدى إلى فائض فى الاتصال والمعلومات أو ما يعرف بظاهرة التيه المعلوماتى، وهو ما يخلق فوضى نسبية فلم يعد هناك تاريخ ولا واقع ولا حقيقة كما يقول الفيلسوف الإيطالى جيانى فاتيمو الذى يرى أن الجماهير أصبحت ضحية انفجار الاتصال والإعلام، وإن الإعلام لم يخلق مجتمعا أكثر استنارة وعقلانية وأكثر وعيا!!