شاب أعرفه، أثق فى قدراته وكفاءته، يعمل فى مؤسسة حكومية منذ ما يقرب من 20 عاما، هو على أبواب الأربعين من العمر، يعتبر نفسه شابا لم يحصل على فرصته القيادية بعد، وحين ينظر إلى القيادات التى يعمل معها وتقترب من سن المعاش، يمنى نفسه بالأمل محدثا نفسه: «مازالت لدى الفرصة».
منذ أيام انفعل «صديقى» من الجدل الدائر حول «تمكين الشباب»، وظل يردد: «تمكين، تمكين، تمكين»، ولفت نظرى إلى أن هذه الكلمة كنا نسمعها عشرات المرات فى اليوم الواحد أيام حكم محمد مرسى، كانت تشير إلى أن مرسى وجماعته يعملون على قدم وساق من أجل تمكين أعضاء الجماعة وحلفائهم فى الوظائف، بصرف النظر عن الكفاءة، فالولاء هو الأهم، وبعد زوال حكم مرسى وجماعته، واصلت كلمة «التمكين» طرحها، ولكن هذه المرة على النحو التالى: «تمكين الشباب».
قال الشاب: «لا تمكين شباب ولا يحزنون»، ضاربًا المثل بنفسه: «مفروض أبقى مدير الإدارة اللى أنا أعمل فيها بكفاءتى وجهدى، لكنها راحت لواحد تانى، لأنه طريقه سالك، فيه قريب له خلصها له من فوق، يعنى بالوساطة».
ربما يكون لهذه القصة علاقة بقضية «تمكين الشباب»، وربما لا، لكن تواصل إثارتها بإلحاح يجعل كل شاب يبكى على ليلاه، ومع متابعتها منذ ثورة 25 يناير التى فجرها شباب، يأتى السؤال: ماذا تحقق منها؟ وهل هناك جدية بالفعل فى تحقيقها؟ وهل هى تأتى بقرار؟
من سمات نظام مبارك أنه من باب الولاء كان يتم الإبقاء على قيادات مهما بلغ بهم العمر، كان يتم التجديد لمن بلغوا سن المعاش، وكان يتم تعديل القانون لمد سن الخدمة من أجل شخصيات معينة، بحجة عدم إهدار الكفاءات والاحتفاظ بالخبرة، وأدى ذلك إلى سد الطريق أمام الشباب، وشاع عن «دولة مبارك» بأنها دولة شيخوخة، فمبارك فى الثمانين ومعظم رجاله فى نهاية السبعينيات من العمر، والشاب يكون فى الستين وهكذا.
شيخوخة نظام مبارك كانت طريقا للثورة، وبالتالى كان التوقع أن نرى مجتمعا على النقيض، مجتمعا شابا، ولأنه لم يتحقق شىء من هذا فمن الطبيعى القول بأننا أمام امتداد لزمن مبارك، لكن هل معنى أن يتم شغل شاب لوظيفة بدلا من شيخ أننا أصبحنا مجتمعا شابا؟
المجتمع الشاب لا يأتى بشغل «الشباب» للوظائف القيادية وحسب، وإنما يأتى بالرؤية والنهج، فى الخمسينيات والستينيات مثلا، كان الشباب فى صدارة المشهد، ومعهم أيضا شيوخ، فى هذه المرحلة رأينا وزراء أعمارهم فى مطلع الثلاثين مثل الدكتور عزيز صدقى ومصطفى خليل ومحمد فائق وعشرات غيرهم، ورأينا مواهب شقت طريقها وهى فى منتصف العشرين من العمر، مثل كمال الطويل وعبدالحليم حافظ ومحمد الموجى ومحمد رشدى وصلاح جاهين وعبدالرحمن الأبنودى ويوسف إدريس، لكنهم انخرطوا فى مرحلة بناء ونهضة فكانت «الشبابية» سمة المجتمع.
حصيلة ما أقوله أن تمكين الشباب من الوظائف بلا رؤية نهضة وبناء وحلم سيكون شيخوخة كزمن مبارك.