إبراهيم عبد المجيد

الإسكندرية التى تهدمها الحكومة.. ولسه!

الجمعة، 21 فبراير 2014 10:01 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لن أتحدث عن السواد الذى لحق بالمدينة عبر الأربعين عاما الماضية.. منذ عصر السادات حين تحالفت الدولة مع الإسلام السياسى نكاية فى المعارضة اليسارية وأسلمت البلاد كلها للتخلف ومنها الإسكندرية.. وكيف استمر ذلك بهدوء فى عصر مبارك وانتهى إلى ما نحن عليه.. لن أعيد تاريخا كتبته فى مقالاتى ورواياتى التى تفاءلت فى آخر ما كتبته عن المدينة منذ عام فجعلت عنوان الرواية «الإسكندرية فى غيمة» متوقعا زوال كل الغيوم عن البلاد.. لكن التربص زاد على المدينة ومنها سينتقل إلى مصر كلها.. ففللها وعماراتها الأوروبية الطراز التى تنتمى إلى حضارة البحر المتوسط التى كانت فيها الإسكندرية يوما عاصمته لسبعة قرون تتعرض للهدم الواسع.

بعد ثورة يناير نشطت فى مصر كلها عمليات هدم المبانى المنخفضة وارتفعت عمارات شاهقة مكانها، وبالطبع حدث هذا فى الإسكندرية بكثافة ووصل إلى شوارع ضيقة مثل شارع تانيس ومنطقة فلل هادئة مثل كفر عبده وغيرها على طول وعرض المدينة.. أخيرا قيل إن هناك حركة من المحافظة لمنع هذه المخالفات لكن المقاولين لن يعدموا طريقة جديدة فبحثوا عن الفلل القديمة التى تركها يونانيون ويهود وإيطاليون وغيرهم.. انفجرت الإسكندرية بالاحتجاج من شبابها ومجتمعها المدنى وجماعات الحفاظ على التراث وغيرها فهدأ الأمر قليلا ثم عاد لينفجر من جديد بعد أن أصدر وزير الإسكان إبراهيم محلب قرارا بهدم ثمانية وعشرين مبنى قديما بين فلل وعمارات بعد صدور أحكام من القضاء الإدارى وبنفس القانون الذى كان لا يسمح بالهدم تم الحكم بالهدم.. ففى القانون ثغرة تسمح بذلك وهو القانون رقم 144 لسنة 2006 فى مادته الثانية.. القانون يقول فى هذه المادة «يحظر الترخيص بالهدم أو الإضافة للمبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز والمرتبطة بالتاريخ القومى أو بشخصية تاريخية أو التى تعد مزارا سياحيا، وذلك مع عدم الإخلال بما يستحقه القانون من تعويض.. حتى يقول ويصدر رئيس مجلس الوزراء قرارا بمعايير ومواصفات المبانى والمنشآت المشار إليها فى الفقرة الأولى، وذلك بناء على اقتراح الوزير المختص بشؤون الثقافة بالاتفاق مع الوزراء المختصين وبعد موافقة مجلس الوزراء».

فى الفقرة الأولى من القانون نجد حرف «و» بين المبانى والمنشآت ذات الطراز المعمارى المتميز والمرتبطة بالتاريخ القومى.. بعد ذلك تجد كلمة «أو» تتكرر.. كل المذكرات التفسيرية فى القانون فى جميع الكتب تقول إن هناك «أو» فى الفقرة المشار إليها وليس «و» ورغم ذلك فالقانون المنشور بالوقائع والكتب خال من «أو»، ومن ثم تتسبب الـ«و» فى كارثة، وهى أن أى مبنى معمارى متميز وغير مرتبط بالتاريخ القومى يمكن هدمه.. أى أن أى فيللا بناها يهودى أو يونانى أو أى شخص مادام ليس شخصية تاريخية قومية مصرية يمكن هدم بنائه وإخراج المبنى من المبانى الأثرية مهما كان جمال المبنى.

وهكذا فجأة لا أعرف لماذا انهالت قضايا الهدم على المحاكم الإدارية وحكم فيها وأصدر بالسرعة نفسها وزير الإسكان قرارات الهدم التى يقف أمامها المحافظ أو وزير الثقافة حائرا لا يملك شيئا.. حكم وقرار وزارى فماذا يفعل أى مسؤول آخر؟.

انتفض المجتمع المدنى السكندرى وحراس البيئة والآثار مثل الدكتور محمد عوض.. ووصل الأمر إلى الحكومة التى عرفت من وزير الثقافة أن هناك قرارا من مجلس الوزراء بشراء الفيللا.. الفيللا فقط.. وسؤالى المزعج هو لماذا لا تشترى الدولة كل البنايات الأثرية من أصحابها الذين هم ورثة صاروا بالعشرات لكل مبنى ويريدون بيعه انتفاعا بحقه ولا يعنيهم - وهذا طبيعى بالمناسبة - أن يظل المبنى أو يهدم فهو لا يدر عليهم دخلا.. المقاولون يعنيهم ذلك، فالفلل والعمارات الأثرية فى أجمل أحياء الإسكندرية وفى أجمل الأحياء فى مصر كلها.. سيبنون مكانها عمارات ناطحة للسحاب ومولات.

وسؤالى لهذه الحكومة التى بينها ولابد من يعرف التاريخ المعمارى لمصر الحديثة منذ عصر محمد على حتى ستينيات القرن الماضى.. سؤالى لهذه الحكومة التى من بينها طبعا من يسافر إلى أوروبا ويعود ويعرف ماذا تفعل هذه البلاد فى مبانيها المعمارية المتوسطية.. هل هناك يتركون الأمر للقضاء أم تشترى الدولة هذه المبانى إذا أراد أصحابها بيعها ثم تؤجرها لمن يريد بشرط عدم الهدم والتعهد بصيانتها دائما هى أو هو.. لا تفرط الدول التى تعلم فيها وحصل على شهاداته العليا منها كثير من هذه الوزارة فى مبانيها التاريخية فلماذا تتركون تراثا عظيما انتقلت مصر منه إلى مبان أمريكية قبيحة فى الأحياء الراقية وعشوائيات أقبح فى محيط المدن.. كم يا ترى سيكلف الدولة شراء هذه المبانى بدءا بما هو خال منها إلا من أصحابها.. لا أظن أنه سيتجاوز المليار جنيه كل عام إذا تم حصر المبانى ووضع خطة لشرائها فى خمس أو عشر سنوات تبدأ بالخالى منها.. كم يا ترى يحصل المستشارون فى المصالح والهيئات.. عشرون مليار جنيه كل عام بدون عمل حقيقى.. كم يا ترى تجمع الصناديق الخاصة من مليارات بعيدا عن الجهاز المركزى للمحاسبات.. كم يا ترى عدد سفاراتنا فى الخارج.. أكثر من الولايات المتحدة الأمريكية.. كم يا ترى أراض بيعت بملاليم ولاتزال.. آلاف الأفدنة.

الحلول كثيرة لكنها الدولة العميقة التى تستحوذ على ذلك كله ولا حكومة قادرة عليها.. كل الحكومات بعد ثورة يناير تعلن راية الفقر والقحط للشعب وكل شىء فى مكانه لا يتغير.. وبعيدا عن هذا كله كم مليارات حصلتم عليها من الدول العربية.. هل كان من الصعب تجنيب مليار جنيه منها لشراء الفلل والعمارات الخالية ثم إعادة تأجيرها بعد ذلك بالمليارات لمن يشاء من رجال الأعمال بشرط عدم هدمها ثم تستمر عملية الشراء بما تحصل وما تضيفه الدولة.. حلول كثيرة لكن حكومتنا مثل ما قبلها لا تجيد إلا إخراج جيوبها بعد أن توزع المليارات فى كل مكان إلا على الشعب وحضارته.. للأسف عشرات الطرق لإنقاذ أجمل ما أنتجته الأمة المصرية من ثقافة لكن لا ثقافة لمن تنادى.. وانتظروا انتقال المقاولين إلى القاهرة والصعيد والإسماعيلية وبورسعيد وكل مصر تدميرا فى أعظم ملامح حضارتنا وثقافتنا.. البحر المتوسط.. واستمرارا فى نهج الجشع الأمريكى الخالى من كل جمال.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة