ناصر عراق

حتى نلتقى

الجمعة، 21 فبراير 2014 04:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى اعتقادى أن إحدى كبرى المشكلات التى تواجه ثقافتنا العربية تتمثل فى شحوب تقاليد الحوار مع الآخر، فانقطاع التواصل مع المختلفين عنا حضاريًا وفكريًا، يؤذن بأن مستقبل الإنسان مهدد بخطر ماحق، لأن التجارب المريرة التى مرت بها البشرية فى القرون الأخيرة أثبتت لجميع سكان الكواكب أنه لا مفر من التعاون والتعارف والتواصل بين الثقافات والحضارات والأعراف المختلفة، حتى يمكن للجميع أن ينعم بحياة هادئة مستقرة، فتسعفهم الأيام على الخلق والابتكار والإبداع، من أجل الاستمتاع بالحياة.
المثير أن البشرية حققت قدرًا رائعًا من هذا التواصل والتعايش والتعاون فى القرون الغابرة، كان أبرزها ما أنجزه العرب المسلمون فى الأندلس، وأنت تعلم أنهم ظلوا هناك ثمانية قرون «سقطت مدينة غرناطة آخر معاقل المسلمين بالأندلس فى سنة 1492»، وحسنا فعلت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود الباطين للإبداع الشعرى، حين خصصت مؤخرًا ندوتها لمناقشة هذا الموضوع تحت عنوان «يوم الأندلس» بالتعاون مع مكتبة الإسكندرية، وقد أقيمت الندوة فى بيت السنارى بالسيدة زينب، وافتتحها سالم الزمنان سفير الكويت لدى مصر.
فى تلك الندوة التى شارك فيها وحضرها كوكبة من المثقفين والمبدعين العرب، نذكر منهم الدكتور محمد مصطفى أبوالشوارب ممثلا عن الشاعر عبدالعزيز البابطين، والدكتور صلاح فضل والدكتور خالد عزب عن مكتبة الإسكندرية، والدكتور أيمن فؤاد سيد، والدكتور محمد زكريا عنانى، والكاتب الصحفى مصطفى عبدالله، والكاتب الصحفى اللبنانى محمد على فرحات والباحثة التونسية رملة الحصائرى، وكاتب هذه السطور وغيرهم.. أقول فى تلك الندوة: تحدث الجميع عن عبقرية المسلمين الأوائل الذين تمكنوا من وضع صياغة اجتماعية سياسية قانونية مرنة تستوعب جميع الأديان والجنسيات والتقاليد التى عاش أصحابها جميعًا فوق بساط الأندلس.
اللافت للانتباه أن عبدالعزيز البابطين قد لاحظ بحق فى الكلمة التى ألقاها نيابة عنه الدكتور محمد أبوالشوارب، أن هذه الاحتفالية تسهم فى تجديد ذكرى ثمانية قرون من المجد الحضارى، الذى لم تعرف البشرية نظيرًا له على امتداد الأزمنة والأمكنة، حيث قامت فى ذلك الفردوس المفقود مدينة أسستها وتفيأت ظلالها أعراقا مختلفة من البشر، الذين استطاعوا ترسيخ قيم التعايش والتسامح والاعتراف بالآخر المختلف، والانفتاح عليه والتعايش معه، بما يمثل فى مجموعه جوهر هوية الأندلس وخصوصيته.
بالنسبة لى، فقد قلت فى كلمتى بالندوة: إن عطر الأندلس سيظل فواحًا فى أكثر من قيمة إبداعية، فأنت تستطيع أن تتحدث عن العمارة فى الأندلس وتستفيض، وتستطيع أن تحكى وتكتب عن الشعر ومدارسه، أما الموسيقى فلا يمكن أن نغفل دور زرياب الذى غادر بغدادًا خوفا من تهديد أستاذه إسحق الموصلى، وتوجه إلى الأندلس مصطحبًا معه عود بأربعة أوتار، ليبتكر ويضيف للعود العربى وترًا خامسًا!
حقا.. ما أحوجنا الآن إلى تعزيز فضيلة الحوار، وترسيخ قيمة الاختلاف، وتمجيد معنى التسامح، وحسنا فعلت مؤسسة جائزة البابطين حين ذكرتنا بالأندلس وزمانها الجميل، عسى أن نتعلم ونتعظ!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة