تمضى البشرية كل يوم نحو الأفضل، تحاول أن تتجنب الوقوع فى أخطاء الماضى، تحترم الإنسان وحقوقه وآدميته، تسن القوانين وتبرم الاتفاقيات وتوقع المواثيق من أجل إعلاء القيم الإنسانية، لا تعود إلى الخلف أبدا ولو اضطرت إلى هذه العودة، فإنها سرعان ما تعتذر عما حدث، معلنة أسفها وتراجعها وندمها على ما حدث، ومعلنة فى الآن ذاته التوبة عن التخلف، هذا ما تفعله «البشرية»، لكن ماذا تفعل قطر؟
قطر التى تصدعنا يوميا عن حقوق الإخوان فى مصر، وتسخر من أجل هذا الصداع مليارات الدولارات المتدفقة عبر الأثير، أو المنسابة إلى جيوب أحبائها من يتامى الجماعة، نسيت أننا فى القرن الحادى والعشرين، وأن ما كان يحدث فى العصور الوسطى وحتى نهايات القرن التاسع عشر، لم يعد صالحا ولا مستساغا ولا مقبولا، فاخترعت نظاما جديدا لإعادة العمل بالسخرة فى أراضيها، لتنضم بذلك الفعل الجبان إلى إمبراطوريات إهانة الإنسانية.
بحسب التصريحات الرسمية الصادرة من سفارتى الهند ونيبال، فإن قطر قد أصبحت أكبر سجن مفتوح فى العالم الحديث، فقد مات فى سبيل إقامة مشاريع كأس العالم المزمع إقامته فى 2022 أكثر من ألف مواطن هندى ونيبالى، خلاف الجنسيات الأخرى، نعم من حق قطر أن تبذل أقصى ما فى وسعها من أجل علاج عقدة النقص التى أصبحت وكأنها توأم ملتصق فى حكامها، لكن أن يكون هذا العلاج هو أرواح مئات الأبرياء الذين يسعون إلى «لقمة العيش» فهذا هو الفجر بعينه.
تريد قطر أن تصبح دولة كبيرة، لكنها فى سبيل هذا الحلم البعيد، تحولت إلى آكلة لحوم البشر، تقتل العمال البسطاء فى أراضيها وتسىء إليهم وتضعهم فى عنابر أشبه بالأفران، حتى يتذوقوا الموت، تنتعش بمشاهد الدم فى سوريا واليمن ومصر وليبيا، تحفر الأنفاق السرية، وتفتح الأبواب الخلفية لتتحايل على تقدم الإنسانية، وتعيدنا إلى العصور الوسطى، ولا يكتفى حكامها بالقيام بدور «والى عكا» الذى فتح حدود بلاده للصليبيين، وإنما تعيد سياسات الاستعمار فى ثوب جديد، وهنا يوضع العالم كله فى تحد كبير: هل يصمت الضمير العالمى عن هذه الرجعية العمياء، أم ينتفض من أجل «الإنسانية»؟