«قررت النقابة العامة للعاملين بالنقل الدعوة لإضراب عام على مستوى كل جراجات هيئة النقل العام الـ 28 اعتبارًا من غد». هذا نص الخبر الذى نشرته الأهرام أمس السبت 22 فبراير، أى أن الإضراب بدأ اليوم، فإذا أضفنا إليه إضراب عمال المحلة المشتعل منذ أسبوعين، يتكشف لك بسهولة حجم العذاب الذى يكابده عمال مصر الذين يمثلون القوى المنتجة الحقيقية فى البلاد!
كل الدراسات تؤكد وكل المعلومات توضح أن العامل لا يقرر الإضراب إلا إذا فاض به الكيل، وأصبح دخله الشهرى لا يكفى سد الحد الأدنى من ضرورات الحياة اليومية، وقد شهد العالم كله منذ الثورة الصناعية فى أوروبا وحتى الآن اندلاع الصراع بين أصحاب المصانع والشركات وبين عمالهم، فالمالك أو - الرأسمالى - لا يرضى إلا بعصر طاقة العامل حتى النخاع، ليراكم أرباحه، وفى المقابل لا يعطيه سوى أجر زهيد بالكاد يكفيه حيًا ليعود إلى المصنع فى اليوم التالى فيكد ويعمل فتتراكم الأرباح فى جيب الرأسمالى.. وهكذا!
فى أوروبا ظل العامل تحت إمرة صاحب المصنع 16 ساعة يوميًا فى القرن التاسع عشر، ومع نضال العمال ورواج الأفكار الإنسانية الداعية إلى العدل والمساواة، ظلت المدة التى يضطر فيها العامل إلى بيع قوة عمله أو طاقته الجسدية تتناقص من 16 ساعة حتى 14، ثم 12، ثم انخفضت إلى عشرة حتى صارت سبع ساعات الآن! هذا الصراع بين العمال وأصحاب المصانع والحكومات استمر نحو قرنين من الزمان، والنتيجة أن العامل فى أوروبا وشرق آسيا صار يستمتع الآن إلى حد بعيد بحقوقه، ويرى طائر العدالة الاجتماعية يرفرف حول جبينه!
أما فى مصر، فقد تعرض العمال لمظالم شتى منذ عرفنا إنشاء المصانع مع محمد على وحتى الآن، وإن كان العامل قد ذاق طعم العدل إلى حد ما مع عبدالناصر، ثم جاء السادات ومبارك ومرسى لتمارس حكوماتهم نهب العمال من جديد، والسطو على حقوقهم بانتظام.
لا أعرف عن ماذا ستسفر الإضرابات المشتعلة الآن، لكنى موقن تمامًا أنها لن تتوقف نهائيًا إلا إذا شعر العامل أنه عندما يكد ويتعب ويعرق يستلم آخر الشهر راتبًا يوفر له حياة لائقة وكريمة!