الدلالة الأولى فى قصة نجاح المعارضة الأوكرانية فى إسقاط النظام السياسى، هى أن الرئيس المنتخب وافق لمنع البلاد من الدخول فى حرب أهلية على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة قبل انتهاء مدة رئاسته، لم يتمسك كما فعل مرسى بالشرعية الإجرائية المتصلة بعملية التصويت والحصول عبر الصناديق على الأغلبية، وإنما كان لديه وعى بأن البلاد تدخل منعطفا خطيرا بسبب القرار الذى اتخذه بتجميد مساعى الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبى، واعتراض سكان المناطق الغربية التى كانت فى الأصل جزءا من بولندا، وهم كاثوليك ولديهم ميول نفسية للتخلص مما يعتبرونه هيمنة روسية، فقبل استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتى كانت المناطق الغربية تعانى من التهميش والإهمال والتمييز، ومن ثم فهم لا يريدون لبلادهم أن تبالغ فى الالتحاق بروسيا كما فعل الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الذى يحكم البلاد بعد فوزه فى الانتخابات الرئاسية التى جرت عام 2010.
الدلالة الثانية، هى أن سكان المناطق الغربية جميعا هم من قاموا بالاحتجاج ضد قرار الرئيس بتجميد الشراكة الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبى وهم بالملايين، وكان لديهم الاستعداد لتحمل النضال من أجل مطالبهم على مدى ثلاثة أشهر كاملة، فى الأيام الأخيرة زاد عدد القتلى برصاص الشرطة حتى بلغ أكثر من 75 شخصا، وبدت الأمور متجهة إلى عسكرة الصراع، أى أن ملايين كانوا يدعمون الاحتجاج فى المناطق الغربية التى يتحدث سكانها اللغة الأوكرانية، وهنا فإن ما نطلق عليه الفرصة السياسية والتى تعنى أن هناك دعما سياسيا واجتماعيا من جماهير حاشدة تقف وراء مطالب المحتجين، وهذا أشبه بثورة يناير المصرية حيث بدأ الاقتناع بالثورة يتسع بين المصريين، رغم أن من قادوها كانوا طليعة فى البداية، وحين نزل الناس بالملايين فى الميادين وفى ميدان التحرير سقط مبارك، بينما يحاول الإخوان بعد فوات الأوان أن يستعيدوا لحظات الثورة التى فجرها الشباب فى يناير ولكن على الطريقة الإسلامية، أى أن يقوم بها الإخوان وحلفاؤهم وحدهم، ورغم القول بأن هناك قطاعات ليست قليلة تخرج فى التظاهرات، فإن فرصتها السياسية محدودة، فغالبية الشعب المصرى غير متحمسين للمضى قدما فى خطط الإخوان التى تبدو مرتجلة، كما أنها تفتقد للدعم الإقليمى والدولى الذى لم يكن مستعدا لأن يرمى بثقله خلفهم لعدم اقتناعه باستقامة منطقهم.
ويتساءل المرء إذا كان الإخوان مستعدين للثورة على هذا النحو والتضحية بكل هذه الأعداد والجهود، فلماذا لم يستخدموها مبكرا فى بواكير ثورة يناير، واستجابوا لأول إشارة بترك الميدان والتفاوض المبكر مع اللواء عمر سليمان وكان مرسى ممن شارك فى ذلك، كما تركوا الميدان والثوار مرة أخرى، وهم لا يزالون بعد لم يحققوا أجندة الثورة ليشتركوا فى الترتيب لمرحلة الدولة والانتخابات البرلمانية.
وفى السياسية والاجتماع لا يكفى فقط أن ترفع شعارات أو مقولات صحيحة، ولكن السياق التى يتم رفعها فيه مهم جدا، وكانت الشعارات مكانها وقت الثورة الأول وليس بإحداث ثورة جديدة بشروطنا نحن وعلى مقاسنا نحن ولجماعتنا نحن ثم نطلق عليها ثورة إسلامية.
لا تزال قصة أوكرانيا لم تغلق بعد، كما لم تغلق بعد قصة مصر، لكن وحدة الأوطان وحماية البلدان أهم من الأوهام والمخايل المخاتلة التى تبدو كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا.
عدد الردود 0
بواسطة:
هاني
تعليق على ثورة أوكرانيا