لماذا يحب المصريون مصر ويفتنون بها ويعشقونها؟ هل لأنها أم التاريخ وصانعته وفجر الضمير الإنسانى والمحافظة عليه؟ هل لأنهم يعيشون على أرضها ويستظلون بسمائها ويشربون من مائها ويتمتعون بمناخها؟ هل لآثارها الخالدة وموقعها الفريد ومكانتها الرائدة؟ نعم نحبها لكل ذلك وغيره كثير، ولكن هذا هو الجانب المادى فى قصة هذا الحب، والحب الذى يعتمد على المادى والحسى يمكن أن يتغير بتغير الظروف ويتبدل بتبدل الأحوال، ولكن ما يتوج هذا الحب ويؤكده هو جانبه الروحى الذى يتمثل فيما يسمى بالهوية المصرية، وتلك الهوية هى هذه الجينات الحضارية المصرية المتوارثة عبر الزمان والمكان والتى تشكل ما يسمى بالضمير الجمعى للمصريين، وما هى مكونات هذه الهوية المصرية الجامعة؟ وهنا التمييز والتمايز والفرادة والتفرد، فأهم مكونات الهوية هو تلك الحالة الدينية المرتبطة بفكرة الإلة الواحد الأحد القوى خالق هذا الكون، هذه الحالة التى جعلت المصريين يعرفون الدين ويعبدون الإله الواحد حتى قبل نزول الأديان السماوية حتى إن مصر ولو لم ينزل على أرضها الأديان فهى رحبت واستقبلت وحمت كل رسل الأديان على أرضها وفى أحضان أهلها، حتى إن المسيحية قد انتشرت فى مصر بسرعة لم تحدث فى أى بلد آخر، مصر استقبلت الإسلام وساعدته على فتحها وغيرت لغتها إلى العربية غير كل الدول الإسلامية التى اعتنقت الإسلام وتمسكت بلغاتها، ولذا كانت وستظل وستكون وحدتها الوطنية الراسخة على أسس والمتجذرة على أرضها الطيبة حجر عثرة أمام كل الطامعين، المكون الآخر: الثقافة، تلك الثقافة التى تعتمد على الوحدة فى إطار التنوع، فهناك ثقافات خاصة قبطية ونوبية وإسلامية وبدوية، ولخاصية هذا التنوع الثقافى فقد استقبلت مصر كل الثقافات الوافدة وصهرتها ووحدتها فى بوتقة الثقافة المصرية، ولكن هل يستقيم هذا الحب وذاك العشق للمصريين مع تلك الظروف الصعبة التى عاشها ويعيشها المصريون على مر التاريخ؟ هنا يجب أن نفرق بين مصر الوطن بكل مكوناته وصفاته وهويته وبين الأنظمة الفاشلة والحكام الفاسدين فهذا غير ذاك، وهناك فارق بين الدولة وبين النظام، الدولة بتاريخها وعمقها وحضارتها وثقافتها وهويتها، أما النظام إما ناجح وصالح ويحقق آمال الجماهير، وإما فاسد وفاشل ومستبد، فهناك يقبل ويساند وهنا يرفض ويسقط، وعندما نسقط الحكم والنظام يجب أن نحافظ على الدولة والوطن، ولذا يمكن أن نقول فيما حدث فى 25 يناير هو هبة وانتفاضة جماهيرية ضد نظام مستبد وحاكم فاسد فأسقط الشعب ذلك الحاكم وهذا طبيعى ويحدث على مصر العصور فى كثير من البلاد، ولكن عندما أراد الإخوان اختطاف الوطن واختصاره فى الجماعة، عندما اعتبرو أن مصر لا تساوى غير «طظ»، عندما أهانوا الحضارة المصرية وما زالوا يعتبرونها أوثانا، عندما اعتبروا ثقافتنا ثقافة فجر وإدمان، عندما أهانوا الرموز وأسقطوا الهامات، عندما اعتبروا أن الفن حرام والموسيقى مجون والسينما أغلال والمسرح خلاعة والفن التشكيلى كفر، هنا ثار الشعب المصرى البسيط جداً أو المهموم والفقير وليس النخبة المغيبة والمتاجرة بكل شىء حتى بالبلاد والعباد وأسقطوا الإخوان فهذا لا ولم ولن يحدث فى غير مصر، الشىء الذى يوكد تمسك المصريين بوطنهم وهويتهم وثقافتهم، وهنا على هذا ولهذا الحب العظيم علينا أن نترجمه إلى فعل وعمل وإنتاج حتى تظل مصر لكل المصريين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة