لا أظن أن هناك شخصًا ما فى مصر الآن يشعر بسعادة صافية- حتى بعد استقالة حكومة الببلاوى- مهما بلغ من مجد أو جمع من ثروة أو نال من شهرة، فمَنْ يَعش فى مصر يتعرضْ لمنغصات يومية لا حصر لها، وهى منغصات تتراكم بامتداد أربعة عقود على الأقل، لكنها تفاقمت بشكل غير مسبوق بعد ثورتى يناير ويونيو.
إذا اتفقت معى على أن الحياة نعمة ومتعة، وأن كل شعوب الأرض تنعم بالحياة وتستمتع بها، فإن الأمر فى مصرنا الجميلة يختلف تمامًا، ذلك أن الحياة صارت نقمة لدى عشرات الملايين، إذ من المحال أن تجد رجلًا فى الشارع لا يتذمر، ومن الصعب أن تقابل امرأة لا تشكو، ولعل الدعاء الشهير (حسبى الله ونعم الوكيل) صار أكثر الأدعية التى يتلفظ بها المصريون والمصريات حاليًا من جراء «الظلم» الواقع على الرجال والنساء، فلجأ الجميع إلى الله- جل شأنه- ليحتموا به من مكائد الزمن وألاعيبه، وبطش المسؤولين وإهمالهم، وغدر الأحباب وخستهم، وجلافة الزملاء وغلظتهم!
أجل.. لقد باتت الحياة فى مصر عقوبة، سواء كنت من سكان القاهرة أو الجيزة، أو كنت من قاطنى أسوان أو الإسكندرية، فالعذاب اليومى واحد، وإهانة كرامة الإنسان فى الشارع أمر مألوف وشائع، من أول البحث عن مواصلة والانحشار داخلها، حتى اختفاء الرصيف وفوضى المرور والزحام المخيف. أما عن قطار غلاء الأسعار الذى ينطلق بسرعة الصاروخ، فقد خصم من الحياة أية متعة محتملة، فأكثر من خمسين مليون مصرى يكابدون الأمرّين لسد الحد الأدنى من حاجياتهم الضرورية، ولك أن تتخيل حجم العقوبة اليومية المفروضة على هؤلاء حتى يبقوا على قيد الحياة!
فى أى بلد فى العالم يتحمل الحكام المسؤولية الأولى عن أوضاع مَنْ يحكمونهم، فإذا وفروا لهم حياة كريمة لائقة تحقق لهم المتعة والسعادة، أصبحوا حكامًا عادلين أكفاء يستحقون المزايا الضخمة التى ينعمون فى ظلالها، أما إذا أخفقوا وحولوا معيشة الناس إلى كابوس، والحياة إلى عقوبة، فإنهم حكام أوباش لا يستحقون سوى الطرد من عرين الحكم!
من فضلك.. تأمل حاضرنا وتاريخنا القريب والبعيد، وتأمل مصر قبل وبعد استقالة حكومة الببلاوى، لتتأكد أن الحياة فى مصر.. باتت عقوبة، وعقوبة قاسية!