لا أدرى لماذا تتعطل الحياة عندنا فى دوامات الانتظار لما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية، بينما الواجب أن نفرح وأن نعلن عن فرحنا بإنجاز أول خطوات خارطة الطريق وإقرار دستور الثورة، بمزيد من العمل والإنتاج وإصلاح أوضاعنا.
لماذا نغرق أنفسنا فى جدل سياسى لا ينتهى حول هذا المرشح أو ذاك، وحول إجراءات الترشح ونسبة الأصوات وطريقة تصويت المهاجرين والمغتربين، رغم وضوح الآليات المنظمة لكل هذه الأمور ورغم وجود لجنة عليا للانتخابات الرئاسية، دون أن نفكر قليلا فى المساهمة بإنجاح خارطة الطريق عن طريق بذل مزيد من الجهد فى العمل الذى يتقنه كل منا.
إليكم قضية واحدة تكبر يوما بعد يوم مثل كرة الثلج المتدحرجة، وهى انقطاعات الكهرباء ونحن على وشك استئناف الدراسة بالمدارس والجامعات، الوزارة المعنية تعلن عدم تخفيف الأحمال وسرعة علاج الأعطال بالمحطات، والحكومة تعلن توفير الوقود اللازم للمحطات والمواطنون يتذمرون ويبدون انزعاجهم من عودة شبح الأزمات الثلاث الكبرى.. الكهرباء.. البنزين.. رغيف العيش، طرف ناقص فى هذه القضية الهامة لا يتطرق إليه أحد وهو عمليات السرقة المتواصلة للتيار الكهربائى ليل نهار فى الشوارع والمحال العشوائية على الأرصفة وأمام محطات القطارات والمترو وفى الميادين، دون حساب، ودون التفات لهذا العامل باعتباره عبئا زائدا يؤدى إلى أزمة عامة.
عدم الالتفات إلى السرقة المنظمة للكهرباء جعل منها ظاهرة، مرتبطة بظاهرة أخرى أكثر استفحالا، وهى ظاهرة العشوائيات فى شوارعنا التى لا تجد محاسبا من الأجهزة المحلية ولا من شرطة المرافق، ولا من أجهزة الدولة المختلفة، وكأننا جميعا ارتضينا الأمر الواقع وانشغل كل منا بالتنظير حول القضايا فى الدولة ونسى عمله الأساسى وفى غمرة هذا الانشغال الذى يشبه التوهان مع برامج التوك شو التى لا تقول شيئا، ننجرف شيئا فشيئا إلى نوع من التعايش مع الفشل والقبح والعشوائية البغيضة، ويتحول هذا الوضع الطارئ القبيح إلى واقع راسخ، يصعب على أى رئيس مقبل تغييره بدون الإضرار بملايين المتكسبين من وراء استمراره، بينما الحل فى يد كل واحد منا، أن يقوم بعمله بما يرضى الله وضميره، وأن ينفذ القانون فى الجزء الخاص به وأن يحفظ النظام العام للدولة.. وعندئذ تتوقف سرقة الكهرباء ويتحقق النظام فى شوارعنا وإشارات مرورنا، ونستطيع إقامة انتخابات حرة ونزيهة، كما نستطيع محاسبة من سننتخب!
والله من وراء القصد