إن السَير فى طريق الحياة يحتاج إلى حكمة كبيرة للوصول إلى نهاية الرحلة بأمان إلى حيث خُطط لها، ويقولون: "إن الأمانة هى أول فصول كتاب الحكمة"، حقًا إن بداية الحكمة تكمُن فى كَون الشخص أمينًا.
من اختار الأمانة له مسلكًا وعى جيدًا مدى عمقها وغناها فى الحياة، قال الأديب الإنجليزى وليَم شِكْسْبير: "لا يوجد إرث أغنى من الأمانة"، وبهٰذه الكلمات تذكرتُ قصة أحد الأشخاص الذين يعملون بالشرَطة، كان راتبه صغيرًا، إلا أنه كان راضيًا، شاعرًا ببركة الله فى ماله، غير محتاج إلى أحد، مؤديًا واجبه فى أمانة وإخلاص شديدين، وذات ليلة وهو يقوم بالحراسة، ارتاب فى رجل يقود بقرة بعد انتصاف الليل، سأل الرجل عن سبب خروجه ليلًا، فارتبك وقدَّم إليه مالًا ليتركه وشأنه، فما كان من الشرَطى إلا أن اصطحبه إلى قسم الشرطة!! وحين وصلا قدَّمه إلى الضابط الذى وقف مذهولًا أمام الرجل المبتسم له، أجلسه الضابط مرددًا: إنه نائب مدير الأمن الجديد! فقد اعتاد التنكر والتجول وسط الحراسات، ليتحقق بنفسه من استقرار الأمن، وقد استعار البقرة من أحد الأصدقاء، ليمثِّل دور المشتبَه فيه، واليوم التالى، طلب نائب مدير الأمن حضور هٰذا الشرَطى إلى مكتبه؛ حيث قال له: أنت رجل أمين، فانتظِر ترقية، وإليك المبلغ الذى رفضتَه بالأمس.
تمتلئ الحياة بالنماذج الأمينة المخْلصة فى عملها، وقولها، وما تؤتمن عليه من الغير. ودون شك، فإن الشخص الأمين محبوب ومحل ثقة من الجميع.
يقول الكتاب: "من يحفِر حُفرة يسقط فيها، ومن يُدحرج حجرًا يرجِع عليه" فعلى كل من يختار السلوك بعدم أمانة أن يُدرك أنه سيعامَل بالمِثل، فالله أمين وعادل، تقول القصة إن فلاحًا اعتاد السفر من قريته إلى المدينة لبَيع الزُّبد، وكان يصنعه بشكل مستدير، وتزن كل قطعة كيلو جرامًا، غادر الفلاح محل البقال بعد أن باعه الزُّبد، واشترى حاجاته، وبينما يضع البقال الزُّبد فى ثلاجته، اختبر وزن قطعة فوجدها 900 جرام فقط! فوزن قطعة ثانية وثالثة وهٰكذا كل الزُّبد ليجد أن كل القطع تزن الوزن نفسه.
ولما حضر الفلاح المرة التالية، استقبله البقال بغضب شديد قائلًا: سأتوقف عن معاملتك، لأنك غير أمين، فكل قطعة زُّبد ابتعتُها منك تزن 900 جرام فقط، فى حين أن المال الذى دفعتُه إليك كان ثمنًا للقطعة الكيلو جرام، أجاب الفلاح قائلًا: لا تُسِئ الظن بى، فإننا فقراء وليس لدينا مقدار وزنة الكيلو جرام، لذا فأنا آخذ منك كيلو جرامًا سكَّرًا وأضعه على كِفة الميزان، وأضع فى الكِفة الأخرى ما يساويه زُّبدًا!!!
عزيزى الإنسان: كُن أمينًا فى الحياة فستعود إليك يومًا ثمار أمانتك، كُن أمينًا فى قولك، فى عملك، فى كل ما تمتد إليه يدك، إنه كَنزك. ولا تنتظر مكافأة من أحد، فالله يرى ويسمع ويجازى، وعن الحياة ما زلنا نُبحر.
* الأسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى