قد يبدو العنوان غريبا، لأنه يمزج بين متناقضين، السياسة والموسيقى.. الثورة والرقص.. لكن من قال إن الشعوب لا ترقص عندما تثور أو تغنى وهى تتمرد؟ ومن قال إن الديكتاتور عندما يعزف منفردًا فهو يفرض على القطيع السماع الإجبارى؟ هكذا كان مبارك وزمرته وكل حكام العرب الذين حاصروا شعوبهم بعزفهم النشاز وصوتهم المنفر، ودعونا نحكِ الحكاية من أولها، عاش المصريون ثلاثين عامًا فى الثلاجة.. سنوات مبارك الرتيبة جعلت الفقراء يزدادون فقرا والأثرياء يتوحشون باحتكار الثروة والسلطة، وكانت فضيحة انتخابات سنة 2010 التى خطط لها أحمد عز، هى القشة التى قصمت ظهر نظام مبارك وهى ذروة غليان المرجل الذى فجر ثورة 25 يناير.
المهم أن الثورة الأولى انفجرت فى يناير وتصور المصريون أن شمس الأمل والحرية والعدالة ستضىء حياتهم المظلمة الكئيبة ولكنهم فوجئوا بأنهم تم تسليمهم من عصابة استبداد سياسى وديكتاتورية مركبة وتبعية مطلقة للغرب وانهزامية تحكمهم بمنطق أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان «كل هذا سمات عهد مبارك الذى كان يهيمن على المصريين ويعيّرهم بكثرة إنجابهم»، من حالة حاكم يقول لشعبة لا أعرف من أين أوفر لكم الطعام، ومن ثلة من أصدقاء ابنه خططوا بكل تصميم وعزم لنهب البلد والسيطرة على كل منافذه قبل ثورة يناير، إلى حكم استبداد دينى وفاشية ثيوقراطية من جماعة الإخوان مع تآمر خارجى يقف خلفه التنظيم الدولى للإخوان، مع بعض الدول التى وجدت فى ثورة يناير فرصة لاعتلاء مصر وخطف دورها وريادتها، مثل تركيا وقطر، وهما أداتا أمريكا وإسرائيل فى المنطقة، إذن استجار المصريون من الرمضاء بالنار، خرجوا من ثورة يناير أملاً فى فردوس الحرية، فوجدوا أنفسهم فى جحيم الإخوان، وجهان لعملة واحدة، الصورة والكتابة.. توأم توينز فى الجشع واحتكار السلطة والعشائرية، الفارق أن عند مبارك عشيرة يربطها البيزنس الفاسد واحتكار السلطة واحتقار الشعب، وتستخدم الميديا والمال السياسى للتحذير، والقوة الأمنية للقهر، والإخوان استخدموا الميديا والمال السياسى والدين- الذى هو أقوى فى السيطرة على الشعوب الجاهلة من كل أدوات الاستبداد- والنتيجة عاش المصريون يستمعون لموسيقى التغيير ويرقصون أملاً فى الحرية، والقطيع يجرى خلف العازف فى المرتين، وطوال عام كنا نرقص حتى شعر العازفون «الإخوان هذه المرة» بثمالة النصر وانتشوا من التمكين، وتوهموا أن القطيع رضخ واستسلم، وهم واهمون، فقد وصلت نغمة الإخوان النشاز إلى ذروتها حتى ضج السامعون والقطيع وغردوا فكانت ثورة 30 يونيو التى أطاحت بالعازف «المرشد والمايسترو» و«أمريكا»، ولكن الحفل لم ينفض، استراح الثوار والمتمردون، لكن العزف النشاز مستمر الآن تجد فى الميديا من يعزف ضد الثورة ومؤسسات الدولة المصرية، ينشط محترفو الإعلام والمليشيات الإلكترونية فى تشويه كل ما له علاقة بالدولة المصرية ومؤسساتها وشعارات ثورة 30 يونيو فى الاستقلال الوطنى، وكلما تقدمنا خطوة نحو الأمام ظهرت نفس الفرقة النشاز لتشويه أى منتج فى الإعلام، محترفون يكررون كلمة العسكر ويتكلمون عن الحرية والديمقراطية كأنها توكيل خاص بهم ويحتقرون رغبة الشعب فى التقدم ويدافعون عن الطابور الخامس ويظهرون أصواتهم فى البرواز وبرامج التوك شو.. نحن الآن نستمع للعزف ونكف عن الرقص وكأننا نجرى نحو الهاوية، مطلوب يقظة عامة حتى لا ننجرف ليأس جماعى يسقطنا فى حفرة اللاعودة.. الإخوان والمال السياسى لن يكفوا عن تشويه كل خطوة تدفعنا نحو استحقاقات جديدة، وقطر وتركيا والتنظيمات الإرهابية حولنا تريدنا أن نكف عن الحركة والرقص وهم سائرون فى عزفهم، فهل نتجمد وهم فى أوج نشاطهم الآن؟ ابحثوا عن غرف الميليشيات الإلكترونية فى لندن وتركيا وقطر، ستفهمون أبعاد المؤامرة على دولة تحاول الخروج من الشرنقة والحصار، هى مصر.