د. محمد على يوسف

هل غيَّرتنا أم أظهرت حقيقتنا؟!

الجمعة، 14 مارس 2014 07:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
إن المرء ليندهش حقا حين يجد كل هذا القدر من الغلظة والفظاظة والتدنى الأخلاقى على شبكات التواصل الاجتماعى ومنتديات الحوار وتعليقات الصحف الإلكترونية والمواقع التفاعلية.

لا يمكن أن يكون الأمر مجرد لجان إلكترونية موجهة كما يحلو للبعض أن يستسهل ويستريح من الالتفات للمشكلة، معلقًا إياها كالعادة على شماعات التآمر والافتعال.. لا يا سادة ليست كلها لجان..
ليست كلها حسابات مفبركة مفتعلة. ربما تكون هناك نسبة موجهة ومتكلفة، لكن هناك من نعرفه ويعرفنا.. هناك من تراه فى حياته الواقعية قمة فى الدماثة والأدب وما إن يحتمى بأزرار الكيبورد ويختبئ خلف شاشة حاسوبه أو هاتفه الذكى حتى ينقلب إلى شخص آخر بذئ سيئ الأخلاق فظ الطباع، وهناك من تعد بذاءتهم الإلكترونية فرعًا عن فظاظتهم الواقعية وتدنيهم الأخلاقى الذى بات ظاهرة تنتهى بها كثير من نقاشات وحوارات تدور فى المحافل الاجتماعية المختلفة، لكن الظاهرة الإلكترونية هى بلا شك الأوضح والأكثر سخونة والأشد بذاءة وقسوة.

ما أسهل أن تسب من خلف الشاشات وما أبسط الإهانة والانتقاص من الناس وربما تهديدهم عبر الأثير. قد يظن من يفعل ذلك أنه قوى منتصر، لكنها فى الحقيقة أخلاق ضباع خسيسة جبانة. الكل يستطيع أن يسب وينتقص ويهين وينهش فريسة لن يطاله ردها. الكل يمكنه أن يكون فظا غليظا.. هنالك.. خلف الشاشات والأزرار، لكن قليلين هم من يستطيعون إدارة الخلاف والاختلاف والحفاظ على قيمهم وأخلاقهم عند التنازع. قليلون من يمكنهم أن يتحاوروا ويناقشوا ويخرجوا مع محاوريهم بفائدة وقناعة أو حتى قدرة على التعايش مع الخلاف.

إن ما يحدث اليوم على شبكات التواصل والمواقع التفاعلية التى تسمح بالتعليق يعد فى تقديرى عرضا واضحا للمرض الأصلى الذى طالما حذرت وسأحذر منه.. مرض سوء الخلق والمراهقة الحوارية والبعد عن آداب الخلاف، والسؤال الذى عنونت به للمقال، هل غيرتنا شبكات التواصل والانفتاح الإلكترونى والإعلامى والسياسى أم أنها فقط أظهرت حقيقتنا؟ هل هى مشكلة مكتسبة أم أصل متجذر فى مجتمعنا؟!

الحقيقة أن إجابة هذا السؤال مهمة فى رأيى لأنه على أساسها ستتحدد طبيعة العلاج ومدى سهولته ويسره. أنا أزعم أن جزءًا كبيرًا من المرض هو مكتسب وليس أصليًا. أعلم أن كثيرًا من المحللين يحلو لهم جلد ذواتهم واحتقار شعوبهم ويصرون على أن تلك حقيقتنا وأننا فقط كنا ننتظر اللحظة المناسبة لإظهار أسوأ ما فينا ولا أنكر أن هذا ربما يكون جزءًا من الصورة، لكننى أصر أن هذا ليس كامل المشهد. لم نكن دوما هكذا ولم تكن تلك حقيقتنا ولم يجبلنا ربنا على ذلك.. ليست هذه هى فطرتنا ولا أصولنا.لقد عشنا طويلا فى هذا الوطن فى أجواء من الدفء والألفة والمودة والكرم كانت هى ما يصبر كثيرا منا على مرار العيش ومشاكل هذا الوطن القاسية..كانت فيها أشياء جميلة طيبة. أشياء تجعل من يغادرها يشتاق إليها وهو بعد على متن الطائرة. أشياء ربما نسيناها وربما توارت فى غمار التفرق والانقسام وحملات التشنج اليومية، لكنها فى ظنى لم تزل موجودة فقط تحتاج إلى من يزيح عنها التراب ويصقلها من جديد ويبرزها إلى السطح. نحتاج إلى أن نبحث عنها وننقب عن معانيها فى أنفسنا قبل أن تسارع أصابعنا إلى الأزرار وقبل أن تهرع ألسنتنا إلى غليظ الألفاظ.. نحتاج أن نثق فى أننا أفضل من ذلك، وأن الفظاظة وسوء الخلق ليست حقيقتنا، وأن نعترف أننا قد تغيرنا وأننا نستطيع أن نرجع كما كنا، بل أفضل مما كنا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة