لعل المتأمل فى الظروف السياسية التى عاشتها مصر قبيل إحكام محمد على باشا مؤسس الدولة الحديثة، سيكتشف أنها تُشبه الأوضاع التى تُحاصر البلاد قبيل الانتخابات الرئاسية المرتقبة، ففى عهد «الباشا» توحش دور المماليك وخاضوا صراعات خلقت مناخًا من عدم الاستقرار السياسى، وهو ما يحدث حاليًا فى ظل حروب الجيل الرابع، التى يشنها «مماليك جدد» من أنصار جماعة الإخوان، وشريحة من الحركات المشبوهة التى تمكنت واشنطن وحلفاؤها وعملاؤها من استخدامها لانهيار أقدم دولة مركزية بالتاريخ، والتى يلعب فيها «الحاكم الفرد» دور البطل الذى تلتف حوله الأمة لحماية الدولة.
بحنكة السياسى الداهية، وشجاعة الجندى المُقاتل فعلها الباشا بالقضاء على المماليك فى مذبحة القلعة الشهيرة، وكانوا أخطر ما يُهدد مشروعه الطموح، ثم استأنس واحتوى الشيوخ الذين يشكلون الوعى الدينى. بالطبع تختلف الظروف السياسية كثيرًا عما يجرى الآن، لكن تبقى الفكرة مصدر إلهام للحاكم القادم، فهناك صراعات بلغت ذروتها بممارسات العنف وتسويق الفوضى وحروب الاستنزاف التى يشنها «المماليك الجُدد»، وبتقديرى فالحلول التقليدية بالمواجهات الأمنية وحدها ليست ناجعة، وسيجد الرئيس القادم نفسه مُحاصرًا بمؤامرات داخلية وخارجية، بينما تنتظره «حزمة أزمات»، لهذا ينبغى استلهام تجربة الباشا بطريقة أو أخرى.
سيُحذر البعض من حملات دولية لو أقدم الرئيس المقبل على التخلص من «مماليك العصر»، وسيعتبره آخرون سلوكًا غير أخلاقى، لكن حملات التشويه تحدث بالفعل، كما أن الهواجس الخارجية ينبغى لصنّاع الدول تجاوزها، وتُؤكد دروس التاريخ أن الذين تصدوا لبناء مشروعات سياسية كبرى اتخذوا إجراءات بالغة الصرامة، لأن البديل هو فشلهم واغتيالهم معنويًا، وربما تصفيتهم جسديًا.
هناك إجماع على خطورة الأوضاع ووعورة الطريق، لهذا فالإفراط بالمواءمات سيُقوى شوكة «المماليك الجُدد»، ويجعل مهمة الرئيس المُطالب برسم ملامح «الجمهورية الجديدة» بالغة الصعوبة، وربما تتعرض للإجهاض، وبالتالى فإن تحمل فاتورة «الضربة القاصمة» أهون من حجم المخاطر المحدقة بمستقبل مصر والمنطقة برمتها. وبتقديرى فاستمرار كيانات تدعم الإخوان كالذى يسمى «تحالف دعم الشرعية» مسألة بالغة الخطورة، وكذلك الحركات المشبوهة التى يرعاها «مُحرك الدُمى» الأميركى لا يُمكن التسامح معها، بل اجتثاثها، فهى «حصان طروادة»، الذى سيخرج منه الأسوأ، وأقصد انفجار الصراعات المختلفة كالطبقية والطائفية والثقافية وغيرها، وهذا يفرض سرعة اتخاذ قرارات حاسمة لمواجهتها قبل تمددها اجتماعيًا.
يبقى أخيرًا الدور المحورى الذى ينبغى أن يلعبه المرشح الرئاسى المحتمل المشير السيسى «تحديدًا» بتعظيم النزعة القومية المصرية استنادًا لرؤية، مفادها أن المصريين حين يُسمح لهم بالشراكة الحقيقية فى تحمل المسؤولية، للمرة الأولى منذ عقود، سيشكلون شعبًا واضح الهوية الوطنية، وتتشكل شخصيته الجماعية لمواجهة تحديات العبور للمكانة الدولية والإقليمية التى تستحقها مصر.