مع زيادة القوة المعنوية والرمزية للصحافة والإذاعة والتليفزيون تحدث العلماء فى القرن الماضى عنها كسلطة رابعة، أما الآن فالحديث يدور منذ سنوات عن فضاء الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى «الميديا الجديدة» كسلطة خامسة تختلف عن السلطة الرابعة وتنافسها، حتى أنها بحسب آراء بعض الخبراء قادرة خلال سنوات قليلة على إلغاء السلطة الرابعة، واحتلال مكانتها، السلطة الخامسة نجحت فى تفعيل المراقبة المجتمعية على أداء السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، أى السلطات الثلاث المعروفة، وقادرة أيضا على تشبيك العلاقات بين فئات وقطاعات داخل المجتمع لديهم مصالح مشتركة، كما أن السلطة الخامسة نجحت فى حشد الملايين فى أوكرانيا وإسبانيا وفنزويلا ومصر وبقية دول الربيع العربى ضد الحكومات الاستبدادية وإسقاطها، والأدهى أن السلطة الخامسة تستطيع مراقبة السلطة الرابعة «الإعلام» وفضح سلبياتها. إن السلطة الخامسة تتيح للمواطنين الحصول على الأخبار والمعلومات والآراء تماما كالسلطة الرابعة لكن السلطة الخامسة تتيح للمواطن القدرة على التواصل الفورى والواسع المدى مع بقية المواطنين فى بلده وفى دول العالم، أيضا فإن آليات الرقابة والمنع أقل تأثيرا فى فضاء الإنترنت مقارنة بفضاء الإعلام التقليدى «السلطة الرابعة» طبعا هناك رقابة على الإنترنت فى بلد كبير مثل الصين ولكن المدونين والنشطاء قادرين على تضليل الرقابة والوصول بحرية للمعلومات والتفاعل مع الناس، من هنا عرفت تكنولوجيا الإنترنت والتشبيك وتضليل الرقابة بتكنولوجيا الحريات، وهى تكنولوجيات متاحة ورخيصة وسهلة التعلم وسريعة الانتشار من خلال عمليات التشبيك التى لا تنتهى ولا يعرف أحيانا من أين بدأت؟ ومن أطلقها؟
وكان عالم الاجتماع الإسبانى مانويل كاستلز Manuel Castell قد تحدث باستفاضة عن الشبكات ودورها فى المجتمع وظهور ما يعرف بالمواطن الشبكى والذى يرتبط بعديد من الشبكات المحلية والدولية، والأهم أن الظاهرة فى بدايتها، أى أن هناك فرصا هائلة لانتشار ونمو التشبيك والمواطن على الشبكة والذى يبادل الواقع المادى بالواقع الافتراضى، وينتقل بينهما بسهولة ما يثير تحديات من نوع جديد بشأن الحدود بين ما هو افتراضى وما هو حقيقى، وكيف ستكون العلاقة بين البشر، وما هو مفهوم التعليم والعمل وغيرها من المفاهيم والعمليات التى قامت عليها الحضارة الإنسانية؟ أسئلة صعبة.. وما يهمنا فى هذا المقال هو كيفية الحصول على المعلومات وإنتاجها وتداولها بحرية بين الناس عبر شبكات محلية ودولية، ومن دون رقابة أو سيطرة حكومية أو هيمنة الرأسمالية وامبراطوريات الإعلان. وأتصور أن البداية يجب أن تكون بمنع احتكار مزودى خدمات الإنترنت للمواطنين، وإتاحتها بسرعات مناسبة وأسعار فى متناول الجميع فى إطار سوق تنافسى حقيقى بين مزودى خدمات الإنترنت، أيضا من المهم وضع ضوابط ومواثيق شرف بين المواطنين على الشبكة بشأن دقة إنتاج ونقل الأخبار والمعلومات، وهنا لابد من نشر مزيد من مواقع ومحركات البحث المجانية القادرة على تدقيق المعلومات والكشف عن التزوير فى الصور وأفلام الفيديو. أخيرا علينا أن نفكر طول الوقت فى أن القوة الثورية للسلطة الخامسة لم تكشف عن كل الفرص والمحاذير والمخاطر التى تحملها إلى البشرية، فهذه السلطة ما تزال فى بداية تشكلها وأمامها طريق صعب لا يمكن توقع مساراته المستقبلية بدقة، خاصة أن أمامنا قصص نجاح مبهرة فى مصر وأوكرانيا وقصص تعثر وفشل أيضا فى مصر وأوكرانيا! والصين وروسيا، وهذا الفشل مرتبط بالقمع والأيدى الخشنة على أرض الواقع، والتى ما تزال - وإلى حين - قادرة على إرباك أو حصار السلطة الخامسة.