تعترى مصر حالة تشويش عامة تجعل كل الأمور المؤكدة فى نطاق المحتمل، كما أنها تجعل كل المحتمل فى إطار المؤامرة مؤكدا بل ومتفقا عليه، الحقائق مهتزة والأكاذيب تبتز الجميع لتصبح فى صيغة الحقيقة!! المرفوض أصبح مقبولا والحقيقة أصبحت وجهة نظر، حالة عامة من الضبابية، سحابة قش الأرز تكسو مصر بلا أرز أو أى خير هذه المرة، زلزال دائم تحت كل الأرجل يجعلها غير واثقة ومترددة فى الاستيعاب والتفهم ومن ثم القرار والتوجه.
التشويش على حلقة البرنامج للإعلامى باسم يوسف يظل أحد أهم مظاهر حالة التشويش الأعم والأكبر، فبرنامج كان يلتف حوله المصريون لينتقد الإخوان ورئيس الجمهورية الإخوانى وقيادات جماعتهم، لا يقبل منه الآن قطاع كبير من الجمهور انتقاداته لأى طرف يتحمسون له، لا يقبلون أى إماءة أو إشارة مخالفة لما يتصورون أو يعتقدون، ما كان ينعته به الإخوان ينعته به الآن من كانوا ضد الإخوان، وهم أنفسهم من كانوا يصفقون لباسم يوسف!! ذلك القطاع يشوش يوميا على فكرة باسم يوسف، ويعتبرها ضد الاستقرار وضد الجيش، ولا يقترب من محاولة استيعاب أنها فى حدود الرأى والتعبير والسخرية والترفيه، الذى من حق أى مصرى أن يتفق أو يختلف معه، يرون باسم طابورا خامسا، يضعون سيف التخوين على رقبة كل من يهم وأن يقول أنا غير موافق أو مختلف، يرون الجميع سواء، طالما لم ينطقوا بنفس الجمل، أو يعتنقوا نفس الفكر، التشويش على مخرجات البرنامج الفكرية ورؤاه قد تبدو أكثر ظلما من التشويش على تردداته، لأنى وبخلاف المتوقع، أتصور أن التشويش على التردد لتغييب الحلقة الأخيرة خلل جسيم، لا يمس البرنامج، ولكنه انتهاك متعمد لسيادة الدولة المصرية وأمنها القومى، فكيف لأى طرف أيا كان أن يمحو إرسال قناة، أو أن يقترب من اختطاف تردد، وما بالنا إذا اختطفت القنوات الفضائية يوما، وتم استخدامها فى إذاعة ما يسىء للأمن القومى ومصر، استطيع أن أكيل الاتهامات لأى طرف (كما يفعل الجميع) فذلك هو أسهل ما يكون، لكنى أرى ضرورة التوقف والتحقق حول هذا الاختراق العنيف لإرسال القمر المصرى نايل سات، واتصور أن فتح تحقيق عاجل عن طريق النائب العام أمر غاية فى الأهمية، ليس من أجل عيون باسم يوسف، ولكن من أجل عيون سيادة وطن على إعلامه وإرساله الفضائى، باسم يوسف قد اتفق مع بعض ما يقول، واختلف مع الجزء الآخر لكنى أوقن أنه ابن مصر الذى يعبر عن رأيه، وعلى أن احترمه فى كل الأحوال، ولا أتناسى أنه كان حجر زاوية فى تكوين رأى عام جارف مصرى وعربى ضد حكم الإخوان، نعم ثورة 30 يونيو من صنع كل المصريين، لكننا لا نستطيع إنكار دور الإعلاميين والساسة فى تحريك جموع الشعب ضد حكم الإخوان الجائر.
التشويش طال أيضا ثورة يناير، فلقد تحالف عليها الإعلام الممول من رجالات النظام السابق، ومن حملة مباخر ومنافقى أى نظام أو سلطة، فهم يتصورون أنهم يمهدون الأرض لاستقبال حكم مستقر عن طريق تخوين يناير، وإسباغ العمالة على البعض القليل ممن ارتبطت أسماؤهم بها، وتحريك كل الدوافع وتوظيف كل الأحداث لخلق حالة رفض لتلك الثورة العظيمة التى شقت عنان الفضاء السياسى والقهر فى مصر، وانتصبت شاخصة ملهمة فى وجه أوضاع ديكتاتورية عنيفة، ولم تنتظر إيماءة من أى قوى بل صنعها المصريون فى عمومهم، ولم يجرؤ حتى تيار الإسلام السياسى بأطيافه الواسعة على تقدم صفوفها، إلا بعد التثبت من نجاحها واستمرارها.
التشويش أيضا طال كل رموز المعارضة، ووصمهم بأنهم ينارجية أو عملاء، فى خطوة جائرة تدنس من استمروا يعارضون مبارك لسنوات طويلة دون أن يتراجعوا لحظة، وكان كل حلمهم أن تحكم مصر بنظام ديمقراطى مدنى وليس دينى وبواسطة شعبها، وأن تتحسن خدمات المواطنين من واقع تغيير شامل، يطال كل المؤسسات التى تعانى من الفشل الذريع فى تقديم حد أدنى من الرضا للمواطن، الأحداث الفردية تستخدم من جانب قوى الظلام من مماحكى الأنظمة الديكتاتورية، لتشويه كل من رفع رأسه فى وجه الظلم الذى أسس له الحزب الوطنى والنظام الأمنى السابق.
التشويش طال كل ما هو فكر إصلاحى، فلم يعد الكثيرون يتبينون الخيط الأبيض من الخيط الأسود فى المستقبل السياسى لمصر، التشويش طال تحديد فتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة، فظلت فى حالة تأجيل غير مفهومة أيضا، التشويش طال إنجازات كل من عمل فى الشارع والميدان فى يناير ويونيو، التشويش طال التغيير الوزارى الأخير أيضا فخرج فيه كل من ارتبط اسمهم بالعمل العام والسياسى، تحت قصف من التخوين والريبة ووصمهم جميعا بالفشل أيضا.